للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العُلُوْمَ.

قُلْتُ: إِنِّيْ أَحْفَظُ القُرْآنَ بِالرِّوَايَاتِ.

قَالَ: لاَ، حَتَّى تَعْلَمَ تَأْوِيْلَهُ بِالْحَقِيْقَةِ.

فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي.

فَقَالَ: مِنْ غَدٍ مُرَّ بِي فِي السَّمَّاكِيْنَ.

فَبَكَّرْتُ، فَخَلاَ بِي فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ جَعَلَ يُفَسِّرُ لِيَ القُرْآنَ تَفْسِيْراً عَجِيْباً مُدْهِشاً، وَيَأْتِي بِمَعَانِي (١) ، فَبَهَرَنِي، وَقُلْتُ: أُحِبُّ أَنْ أَكْتُبَ مَا تَقُوْلُ.

فَقَالَ: كَمْ تَقُوْلُ عُمُرِي؟

قُلْتُ: نَحْو سَبْعِيْنَ سَنَةً.

قَالَ: بَلْ مائَةٌ وَعشر سِنِيْنَ، وَقَدْ كُنْتُ أَقرأُ العِلْمَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ تَرَكْتُ الإِقْرَاءَ، فَاسْأَلِ اللهَ أَنْ يُفَقِّهَكَ فِي الدِّيْنِ.

فَجَعَلَ كُلَمَّا أَلقَى عَلَيَّ شَيْئاً حَفِظْتُهُ.

قَالَ: فَجَمِيْع مَا تَرَوْنَهُ مَسّنِي مِنْ بَرَكَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قطبُ الأَرْضِ اليَوْمُ ابْنُ الأَشْقَرِ -أَوْ قَالَ: الأَشْقَرُ- وَإِن مَاتَ قَبْلِي فَأَنَا أَصِيْر القُطْبَ.

ثُمَّ قَالَ المُرْسِيُّ: أَنْشَدَنِي ابْنُ دهَاقٍ، أَنْشَدَنِي الشَّوْذِيّ لِنَفْسِهِ:

إِذْ نَطَقَ الوُجُوْدُ أَصَاخَ قَوْمٌ ... بِآذَانٍ إِلَى نُطْقِ الوُجُوْدِ

وَذَاكَ النُّطْقُ لَيْسَ بِهِ انْعِجَامٌ ... وَلَكِنْ جَلَّ عَنْ فَهْمِ البَلِيْدِ

فَكُنْ فَطِناً تُنَادى مِنْ قَرِيْبٍ ... وَلاَ تَكُ مَنْ يُنَادى مِنْ بَعِيْدِ

وَلَقَي المُرْسِيُّ بِفَاسٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد ابْن الكَتَّانِيّ، وَكَانَ إِمَاماً فِي الأُصُوْلِ وَالزُّهْدِ، قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَى ابْنِ المَرْأَةِ:

يَا أَيُّهَا العَلَمُ المرفَّعُ قَدْرُهُ ... أَنْتَ الَّذِي فَوْقَ السِّمَاك حُلُوْلُهُ

أَنْتَ الصَّبَاحُ المُسْتَنِيْرُ لِمُبْتَغِي ... عِلْمِ الحَقَائِقِ أَنْتَ أَنْتَ دَلِيْلُهُ

بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ يَتَّضِحُ الهُدَى ... بِكَ تَسْتَبِيْنُ فُرُوْعُهُ وَأُصُوْلُهُ

مَنْ يَزْعُمُ التَّحْقِيْقَ غَيْرَكَ إِنَّهُ ... مِثْلُ المُجَوِّزِ مَا العُقُوْلُ تُحِيْلُهُ ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَرَأْت (كِتَاب سِيْبَوَيْه) عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الشَّلَوْبِيْنِ


(١) هكذا في الأصل.