وتمسك بمصحفة وقراءته، وخفي عليه الوجه الذي ظهر لجميع الصحابة من المصلحة التي هي من أعظم ما حفظ الله به القرآن عن الاختلاف المخل به، والتغيير بالزيادة والنقص. وكان من أعظم الأمور على عبد الله أن الصحابة لما عزموا على كتب المصحف بلغة قريش عينوا لذلك أربعة، لم يكن منهم ابن مسعود، وكتبوه على لغة قريش. ولم يعرجوا على ابن مسعود لأنه كان هذليا، وكانت قراءته على لغتهم. وبينها وبين لغة قريش تباين عظيم، فلذلك لم يدخلوه معهم. وقال المحدث أحمد شاكر رحمه الله: وكان هذا من ابن مسعود حين أمر عثمان بجمع الناس على المصحف الامام خشية اختلافهم، فغضب ابن مسعود، وهذا رأيه ولكنه رضي الله عنه، أخطأ خطأ شديدا في تأويل الآية على ما أول. فإن الغلول هو الخيانة. والآية واضحة المعنى في الوعيد لمن خان أو اختلس من المغانم. وقال ابن العربي في " أحكام القرآن " ٤ / ١٩٤٢ بعد إيراده هذا الحديث: " هذا مما لا يلتفت إليه بشيء "، إنما المعول عليه ما في المصحف فلا تجوز مخالفته لأحد. ثم بعد ذلك يقع النظر فيما يوافق خطه مما لم يثبت ضبطه حسب ما بيناه في موضعه. فإن القرآن لا يثبت بنقل الواحد، وإن كان عدلا، وإنما يثبت بالتواتر الذي يقع به العلم، وينقطع معه العذر، وتقوم به الحجة على الخلق ". ونقل القرطبي، عن أبي بكر الأنباري، بعد إيراده الحديث هذا، وحديث " إني أنا الرازق ذو القوة المتين " عن ابن مسعود، قوله: " كل من هذين الحديثين مردود بخلاف الاجماع له، وإن حمزة وعاصما يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين. والبناء على سندين يوافقان الاجماع أولى من الاخذ بواحد يخالفه الاجماع والامة وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه أخذ برواية الجماعة وأبطل نقل الواحد كما يجوز عليه من النسيان والاغفال. ولو صح الحديث عن أبي الدرداء، وكان إسناده مقبولا معروفا، ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر الصحابة رضي الله عنهم يخالفونه، لكان الحكم العمل بما روته الجماعة، ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد الذي يسرع إليه من النسيان ما لا يسرع إلى الجماعة وجميع أهل الملة. (١) رجاله ثقات، وأخرجه بنحوه البخاري رقم (٥٠٠٠) من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش ...