وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَمَا تَزَوَّجَ بِكْراً سِوَاهَا، وَأَحَبَّهَا حُبّاً شَدِيْداً كَانَ يَتَظَاهَرُ بِهِ، بِحَيْثُ إِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ - وَهُوَ مِمَّنْ أَسْلَمَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الهِجْرَةِ - سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (عَائِشَةُ) .
قَالَ: فَمِنَ الرِّجَالِ؟
قَالَ: (أَبُوْهَا (١)) .
وَهَذَا خَبَرٌ ثَابِتٌ عَلَى رَغْمِ أُنُوْفِ الرَّوَافِضِ، وَمَا كَانَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِيُحِبَّ إِلاَّ طَيِّباً.
وَقَدْ قَالَ: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيْلاً مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيْلاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ) .
فَأَحَبَّ أَفْضَلَ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ، وَأَفْضَلَ امْرَأَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَمَنْ أَبْغَضَ حَبِيْبَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يَكُوْنَ بَغِيْضاً إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ.
وَحُبُّهُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِعَائِشَةَ كَانَ أَمْراً مُسْتَفِيْضاً، أَلاَ تَرَاهُمْ كَيْفَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَهَا، تَقَرُّباً إِلَى مَرْضَاتِهِ؟
قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ.
قَالَتْ: فَاجْتَمَعْنَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ لَهَا:
إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنُ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيْدُ الخَيْرَ كَمَا تُرِيْدُهُ عَائِشَةُ، فَقُوْلِي لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرِ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا لَهُ أَيْنَمَا كَانَ.
فَذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لَهُ ذَلِكَ، فَسَكَتَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا، فَعَادَتِ الثَّانِيَةَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا.
فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ، قَالَ: (يَا أُمَّ سَلَمَةَ! لاَ تُؤْذِيْنِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا) .
(١) أخرجه البخاري ٧ / ١٩ في فضائل أصحاب النبي: باب قول النبي " لو كنت متخذا خليلا " و٨ / ٥٩ في المغازي: باب غزوة ذات السلاسل، ومسلم (٢٣٨٤) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي بكر.