فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا وجلس، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقام يصلي بين الركنين الأسود واليماني، وكان يصلي إلى الشام، وجلست قريش في أنديتها ينظرون، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع مرعوبا منتقعا لونه، قد يبست يداه على حجره، حتى قذف به من يده، وقامت إليه رجال قريش فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ فقال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهم أن يأكلني.
قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذاك جبريل -عليه السلام- لو دنا مني لأخذه.
وقال المحاربي وغيره، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فقال: ألم أنهك عن أن تصلي يا محمد؟ لقد علمت ما بهذا أحد أكثر ناديا مني. فانتهره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل:{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}[العلق: ١٧، ١٨] ، والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب.
وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم، قال: أخبرنا محمد بن علي الصنعاني بمكة، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن أبن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأن رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا. قال: لم؟ قال: ليعطوك فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله. قال: قد علمت