للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ:

ضَبَطَ قَيْسٌ مِصْرَ، وَكَانَ مُمْتَنِعاً بِالمَكِيْدَةِ وَالدَّهَاءِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرٍو، أَدَرَّ الأَرْزَاقَ عَلَيْهِم، وَلَمْ يَحْمِلْ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ طَعَاماً.

قَالَ: فَمَكَرَا بِعَلِيٍّ، وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ كِتَاباً مِنْ قَيْسٍ إِلَيْهِ، يَذْكُرُ فِيْهِ مَا أَتَى إِلَى عُثْمَانَ مِنَ الأَمْرِ العَظِيْمِ، وَإِنِّي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ.

ثُمَّ نَادَى مُعَاوِيَةُ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ، فَخَطَبَ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ، إِنَّ اللهَ يَنْصُرُ خَلِيْفَتَهُ المَظْلُوْمَ، وَيَخْذُلُ عَدُوَّهُ، أَبْشِرُوا، هَذَا قَيْسُ بنُ سَعْدٍ نَابُ العَرَبِ قَدْ أَبْصَرَ الأَمْرَ، وَعَرَّفَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَرَجَعَ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ خَلِيْفَتِكُم، وَكَتَبَ إِلَيَّ.

فَأَمَرَ بِالكِتَابِ، فَقُرِئَ، وَقَدْ أَمَرَ بِحَمْلِ الطَّعَامِ إِلَيْكُم، فَادْعُوا اللهَ لِقَيْسٍ، وَارْفَعُوا أَيْدِيَكُم، فَعَجُّوا، وَعَجَّ مُعَاوِيَةُ، وَرَفَعُوا أَيْدِيَهِم سَاعَةً.

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: تَحَيَّنْ خُرُوْجَ العُيُوْنِ، فَفِي سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ يَصِلُ الخَبَرُ إِلَى عَلِيٍّ، فَيَعْزِلُ قَيْساً، وَكُلُّ مَنْ وَلَّى مِصْرَ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْنَا.

فَلَمَّا وَرَدَ عَلَى عَلِيٍّ الخَبَرُ، دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ وَالأَشْتَرُ، وَذَمَّا قَيْساً، وَجَعَلَ عَلِيٌّ لاَ يَقْبَلُ.

ثُمَّ عَزَلَهُ، وَوَلَّى الأَشْتَرَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا (١) .

قُلْتُ: فَقِيْلَ: سُمَّ.

وَوَلَّى مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ، فَقُتِلَ بِهَا، وَغَلَبَ عَلَيْهَا عَمْرٌو.

قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: جَعَلَ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ: ادْعُوا لِصَاحِبِكُم - يَعْنِي قَيْساً - فَإِنَّهُ عَلَى رَأْيِكُم.

فَعَزَلَهُ عَلِيٌّ، وَوَلاَّهَا مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ.

وَتَقَدَّم إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَعْرِضَ لابْنِ حُدَيْجٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفٍ قَدْ نَزَلُوا بِنُخَيْلَةَ (٢) ، وَتَنَحَّوْا عَنِ الفَرِيْقَيْنِ بَعْدَ صِفِّيْنَ، فَعَبَثَ بِهِم.

قَالَ: وَرَحَلَ قَيْسٌ إِلَى المَدِيْنَةِ،


(١) ابن عساكر ١٤ / ٢٣١ / آ.
(٢) نخيلة تصغير نخلة: موضع قرب الكوفة على طريق الشام، وهو الموضع الذي نزله علي رضي الله عنه لما بلغه ما فعل بالانبار من قتل عامله، وخطب الخطبة المشهورة التي ذم فيها أهل الكوفة.