للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَعْضُهُمْ تَأَلَّمَ مَرَّةً مِنْهُ، وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ المَلِكُ.

وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْراً مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ.

وَلَهُ هَنَاتٌ وَأُمُوْرٌ، وَاللهُ المَوْعِدُ.

وَكَانَ مُحَبَّباً إِلَى رَعِيَّتِهِ.

عَمِلَ نِيَابَةَ الشَّامِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَالخِلاَفَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يَهِجْهُ أَحَدٌ فِي دَوْلَتِهِ، بَلْ دَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَحَكَمَ عَلَى العَرَبِ وَالعَجَمِ، وَكَانَ مُلْكُهُ عَلَى الحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَفَارِسٍ، وَالجَزِيْرَةِ، وَاليَمَنِ، وَالمَغْرِبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ عُمَرَ أَفْرَدَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، وَرَزَقَهُ فِي الشَّهْرِ ثَمَانِيْنَ دِيْنَاراً.

وَالمَحْفُوْظُ (١) : أَنَّ الَّذِي أَفْرَدَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ عُثْمَانُ.

وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ، تَلَقَّاهُ مُعَاوِيَةُ فِي مَوْكِبٍ عَظِيْمٍ، وَهَيْئَةٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ، قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ المَوْكِبِ العَظِيْمِ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: مَعَ (٢) مَا بَلَغَنِي عَنْكَ مِنْ طُوْلِ وُقُوْفِ ذَوِي الحَاجَاتِ بِبَابِكَ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: وَلِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟

قَالَ: نَحْنُ بِأَرْضٍ جَوَاسِيْسُ العَدُوِّ بِهَا كَثِيْرٌ، فَيَجِبُ أَنْ نُظْهِرَ مِنْ عِزِّ السُّلْطَانِ مَا يُرْهِبُهُم، فَإِنْ نَهَيْتَنِي، انْتَهَيْتُ.

قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ! مَا أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ تَرَكْتَنِي فِي مِثْلِ رَوَاجِبِ الضَّرِسِ، لَئِنْ كَانَ مَا قُلْتَ حَقّاً، إِنَّهُ لَرَأْيُ أَرِيْبٍ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً، فَإِنَّهُ لَخُدْعَةُ أَدِيْبٍ.

قَالَ: فَمُرْنِي.

قَالَ: لاَ آمُرُكَ، وَلاَ أَنْهَاكَ.

فَقِيْلَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا أَحْسَنَ مَا صَدَرَ عَمَّا أَوْرَدْتَهُ.

قَالَ: لِحُسْنِ مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ جَشَّمْنَاهُ مَا جَشَّمْنَاهُ (٣) .


(١) تحرف في المطبوع إلى " المفهوم ".
(٢) كلمة " مع " سقطت من المطبوع.
(٣) أخرجه ابن أبي الدنيا فيما ذكره ابن كثير ٨ / ١٢٤ من طريق محمد بن قدامة الجوهري، عن عبد العزيز بن يحيى، عن شيخ له.