للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَى العَصْرِ، ثُمَّ يُقْرِئُ النَّاسَ إِلَى المَغْرِبِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَيْنَ العِشَاءيْنِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَأْكُلُ رَغِيْفاً، وَيَنَامُ نَوْمَةً خَفِيْفَةً، ثُمَّ يَقُوْمُ لِصَلاَتِهِ، ثُمَّ يَتَسَحَّرُ رَغِيْفاً، وَيَخْرُجُ (١) .

قَالَ بِلاَلُ بنُ سَعْدٍ: وُشِيَ بِعَامِرِ بنِ عَبْدِ قَيْسٍ إِلَى زِيَادٍ، فَقَالَوا:

هَا هُنَا رَجُلٌ قِيْلَ لَهُ: مَا إِبْرَاهِيْمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- خَيْراً مِنْكَ! فَسَكَتَ، وَقَدْ تَرَكَ النِّسَاءَ.

فَكَتَبَ فِيْهِ إِلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: انْفِهِ إِلَى الشَّامِ عَلَى قَتَبٍ (٢) .

فَلَمَّا جَاءهُ الكِتَابُ، أَرْسَلَ إِلَى عَامِرٍ، فَقَالَ:

أَنْتَ قِيْلَ لَكَ: مَا إِبْرَاهِيْمُ خَيْراً مِنْكَ، فَسَكَتَّ؟!

قَالَ: أَمَا وَاللهِ، مَا سُكُوْتِي إِلاَّ تَعَجُّبٌ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي غُبَارُ قَدَمَيْهِ.

قَالَ: وَتَرَكْتَ النِّسَاءَ؟

قَالَ: وَاللهِ مَا تَرَكْتُهُنَّ إِلاَّ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يَجِيْءُ الوَلَدُ، وَتَشَعَّبُ (٣) فِيَّ الدُّنْيَا، فَأَحْبَبْتُ التَّخَلِّي.

فَأَجْلاَهُ عَلَى قَتَبٍ إِلَى الشَّامِ، فَأَنْزَلَهُ مُعَاوِيَةُ مَعَهُ فِي الخَضْرَاءِ (٤) ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِجَارِيَةٍ، وَأَمَرَهَا أَنْ تُعْلِمَه مَا حَالُهُ.

فَكَانَ يَخْرُجُ مِنَ السَّحَرِ، فَلاَ تَرَاهُ إِلاَّ بَعْدَ العَتَمَةِ، فَيَبْعَثُ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِ بِطَعَامٍ، فَلاَ يَعْرِضُ لَهُ، وَيَجِيْءُ مَعَهُ بِكِسَرٍ، فَيَبُلُّهَا وَيَأْكُلُ، ثُمَّ يَقُوْمُ إِلَى أَنْ يَسْمَعَ النِّدَاءَ، فَيَخْرُجُ.

فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ يَذْكُرُ حَالَهُ، فَكَتَبَ: اجْعَلْهُ أَوَّلَ دَاخِلٍ وَآخِرَ خَارِجٍ، وَمُرْ لَهُ بِعَشْرَةٍ مِنَ الرَّقِيْقِ، وَعَشْرَةٍ مِنَ الظَّهْرِ.

فَأَحْضَرَهُ، وَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عَلَيَّ شَيْطَاناً قَدْ غَلَبَنِي، فَكَيْفَ أَجْمَعُ عَلَيَّ عَشْرَةً.

وَكَانَتْ لَهُ بَغْلَةٌ (٥) .


(١) تاريخ الإسلام ٣ / ٢٦ وما بين الحاصرتين منه.
(٢) القتب: الرحل الصغير على قدر سنام البعير.
(٣) يقال: شعب الرجل أمره: إذا شتته وفرقه.
(٤) الخضراء: هي دار الامارة بدمشق، بناها معاوية بالطوب ثم نقضها وبناها بالحجارة.
وموقعها حذاء سوق الصفارين (سوق القباقبية اليوم) من الجنوب، قبلي الجامع الأموي، ويقال: إنه كان لها باب يفضي إلى المسجد مما يلي المقصورة.
انظر أخبارها في تاريخ ابن عساكر المجلدة الثانية ٢٥٠.
(٥) أورده ابن عساكر (جزء عاصم عايذ) ٣٣٢ مطولا.