للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالمِيْعَادُ بَيْنَنَا المَكَانُ الَّذِي تُرِيْدُوْنَ.

فَقَالَ بَعْضُهُم: لاَ تُرِيْدُوْنَ (١) أَثَراً بَعْد عَيْنٍ.

وَقَالَ بَعْضُهُم: قَدْ بَلَغْتُم أَمْنَكُم (٢) ، وَاسْتَوْجَبْتُم جَوَائِزَ الأَمِيْرِ، فَلاَ تَعْجَزُوا عَنْهُ.

وَقَالَ بَعْضُهُم: يُعْطِيْكُم مَا أَعْطَى الرَّاهِبَ، وَيْلَكُم! أَمَا لَكُم عِبْرَةٌ بِالأَسَدِ.

وَنَظَرُوا إِلَى سَعِيْدٍ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَشَعِثَ رَأْسُهُ، وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ، وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ يَوْمِ لَقُوْهُ وَصَحِبُوْهُ، فَقَالُوا:

يَا خَيْرَ أَهْلِ الأَرْضِ، لَيْتَنَا لَمْ نَعْرِفْكَ، وَلَمْ نُسَرَّحْ إِلَيْكَ، الوَيْلُ لَنَا وَيْلاً طَوِيْلاً، كَيْفَ ابْتُلِيْنَا بِكَ! اعْذُرْنَا عِنْدَ خَالِقِنَا يَوْمَ الحَشْرِ الأَكْبَرِ، فَإِنَّهُ القَاضِي الأَكْبَرُ، وَالعَدْلُ الَّذِي لاَ يَجُوْرُ.

قَالَ: مَا أَعْذَرَنِي لَكُم وَأَرْضَانِي لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِ اللهِ فِيَّ.

فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ البُكَاءِ وَالمُجَاوَبَةِ، قَالَ كَفِيْلُهُ: أَسْأَلُكَ بِاللهِ لَمَا زَوَّدْتَنَا مِنْ دُعَائِكَ وَكَلاَمِكَ، فَإِنَّا لَنْ نَلْقَى مِثْلَكَ أَبَداً.

فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَخَلَّوْا سَبِيْلَهُ، فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءهُ، وَهُم مُحْتَفُوْنَ اللَّيْلَ كُلَّهُ، يُنَادُوْنَ بِالوَيْلِ وَاللَّهْفِ.

فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُوْدُ الصُّبْحِ، جَاءهُم سَعِيْدٌ، فَقَرَعَ البَابَ، فَنَزَلُوا، وَبَكَوْا مَعَهُ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى الحَجَّاجِ، وَآخَرَ مَعَهُ، فَدَخَلاَ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: أَتَيْتُمُوْنِي بِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ؟

قَالُوا (٣) : نَعَمْ، وَعَايَنَّا مِنَّا العَجَبَ.

فَصَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنْهُم، فَقَالَ: أَدْخِلُوْهُ عَلَيَّ.

فَخَرَجَ المُتَلَمِّسُ، فَقَالَ لِسَعِيْدٍ (٤) : أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ.

فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟

قَالَ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ.

قَالَ: أَنْتَ شَقِيُّ بنُ كُسَيْرٍ.

قَالَ: بَلْ أُمِّي كَانَتْ أَعْلَمَ بِاسْمِي مِنْكَ.

قَالَ: شَقِيْتَ أَنْتَ، وَشَقِيَتْ أُمُّكَ.

قَالَ: الغَيْبُ يَعْلَمُهُ (٥) غَيْرُكَ.

قَالَ: لأُبْدِلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَاراً تَلَظَّى.

قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ


(١) لفظ الحلية: " لا نريد ".
(٢) لفظ الحلية: " أملكم ".
(٣) في الأصل: " قالا " وما أثبتناه من الحلية.
(٤) من الحلية.
(٥) في الأصل: " يعلمك " وما أثبتناه من الحلية.