اثْنَانِ حَمْلَهَا، فَيَقْسِمَانِهَا بِالفَأْسِ (١) .
وَقِيْلَ: لَمَّا دَخَلَ مُوْسَى إِفْرِيْقِيَةَ، وَجَدَ غَالِبَ مَدَائِنِهَا خَالِيَةً لاخْتِلاَفِ أَيْدِي البَرْبَرِ، وَكَانَ القَحْطُ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلاَحِ، وَبَرَزَ بِهِم إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَمَعَهُ سَائِرُ الحَيَوَانَاتِ، فَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَوْلاَدِهَا، فَوَقَعَ البُكَاءُ وَالضَّجِيْجُ، وَبَقِيَ إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّى، وَخَطَبَ، فَمَا ذَكَرَ الوَلِيْدَ.
فَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَدْعُو لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟!
فَقَالَ: هَذَا مَقَامٌ لاَ يُدْعَى فِيْهِ إِلاَّ للهِ.
فَسُقُوا، وَأُغِيْثُوا.
وَلَمَّا تَمَادَى فِي سَيْرِهِ فِي الأَنْدَلُسِ، أَتَى أَرْضاً تَمِيْدُ بِأَهْلِهَا، فَقَالَ عَسْكَرُهُ: إِلَى أَيْنَ تُرِيْدُ أَنْ تَذْهَبَ بِنَا؟ حَسْبُنَا مَا بِأَيْدِيْنَا.
فَقَالَ: لَوْ أَطَعْتُمُوْنِي، لَوَصَلْتُ إِلَى القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى المَغْرِبِ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بَغْلِهِ كَوْكَبٍ، وَهُوَ يَجُرُّ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيْهِ، أَمَرَ بِالعَجَلِ تَجُرُّ أَوْقَارَ الذَّهَبِ وَالحَرِيْرِ، وَاسْتَخْلَفَ ابْنَهُ بِإِفْرِيْقِيَةَ، وَأَخَذَ مَعَهُ مائَةً مِنْ كُبَرَاءِ البَرْبَرِ، وَمائَةً وَعِشْرِيْنَ مِنَ المُلُوْكِ وَأَوْلاَدِهِم، فَقَدِمَ مِصْرَ فِي هَيْئَةٍ مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا، فَوَصَلَ العُلَمَاءَ وَالأَشْرَافَ، وَسَارَ إِلَى الشَّامِ، فَبَلَغَهُ مَرَضُ الوَلِيْدِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ يَأْمُرُهُ بِالتَّوَقُّفِ، فَمَا سَمِعَ مِنْهُ، فَآلَى سُلَيْمَانُ إِنْ ظَفِرَ بِهِ، لَيَصْلِبَنَّهُ.
وَقَدِمَ قَبْلَ مَوْتِ الوَلِيْدِ، فَأَخَذَ مَا لاَ يُحَدُّ مِنَ النَّفَائِسِ، وَوَضَعَ بَاقِيْهِ فِي بَيْتِ المَالِ، وَقُوِّمَتِ المَائِدَةُ بِمائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَوَلِيَ سُلَيْمَانُ، فَأَهَانَهُ، وَوُقِّفَ فِي الحَرِّ - وَكَانَ سَمِيْناً - حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يَتَأَلَّمُ لَهُ.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: يَا أَبَا حَفْصٍ، مَا أَظُنُّ إِلاَّ أَنَّنِي خَرَجْتُ مِنْ يَمِيْنِي.
وَضَمَّهُ يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ إِلَيْهِ، ثُمَّ فَدَى نَفْسَهُ بِبَذْلِ أَلْفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَقِيْلَ
(١) انظر الخبر مفصلا في ابن عساكر ١٧ / ٢٠٦ آ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute