به، مجتهدون لك بالنصيحة, وإنا نشير عليك برأينا، فامكث على اسم الله حتى نرجع إلى قومنا فنذكر لهم شأنك, وندعوهم إلى الله، فلعل الله يصلح ذات بينهم، ويجمع لهم أمرهم فنواعدك الموسم من قابل. فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجعوا إلى قومهم فدعوهم سرا وتلوا عليهم القرآن، حتى قل دار من الأنصار إلا قد أسلم فيها ناس، ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء، ورافع بن مالك أن ابعث إلينا رجلا من قبلك يفقهنا. فبعث مصعب بن عمير، فنزل في بني تميم على أسعد يدعو الناس سرا، ويفشو فيهم الإسلام ويكثر، ثم أقبل مصعب وأسعد، فجلسا عند بئر بني مرق، وبعثا إلى رهط من الأنصار، فأتوهما مستخفين، فأخبر بذلك سعد بن معاذ -ويقول بعض الناس: بل أسيد بن حضير -فأتاهم في لأمته معه الرمح، حتى وقف عليهم، فقال لأبي أمامة أسعد: علام أتيتنا في دورنا بهذا الوحيد الغريب الطريد، يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه، لا أراك بعدها تسيء من جوارنا. فقاموا، ثم إنهم عادوا مرة أخرى لبئر بني مرق، أو قريبا منها، فذكروا لسعد بن معاذ الثانية فجاءهم، فتواعدهم وعيدا دون وعيده الأول، فقال له أسعد: يابن خالة، اسمع من قوله، فإن سمعت حقا فأجب إليه، وإن سمعت منكرا فاردده بأهدى منه، فقال: ماذا يقول؟ فقرأ عليه مصعب:{حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا
عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: ١-٣] ، فقال سعد: ما أسمع إلا ما أعرفه. فرجع سعد وقد هداه الله، ولم يظهر لهما إسلامه، حتى رجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام، وأظهر لهم إسلامه وقال: من شك منكم فيه فليأت بأهدى منه، فوالله لقد جاء أمر لتحزَّنَّ منه الرقاب. فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد بن معاذ، إلا من لا يذكر.
ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير، واشتدوا على أسعد،