الجُمُعَةَ، ثُمَّ جَلَسَ وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ مَرْقُوْعُ الجَيْبِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَاكَ، فَلَوْ لَبِسْتَ!
فَقَالَ: أَفْضَلُ القَصْدِ عِنْدَ الجِدَةِ، وَأَفَضْلُ العَفْوِ عِنْدَ المَقْدِرَةِ (١) .
قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ:
إِنَّ نَفْسِي تَوَّاقَةٌ، وَإِنَّهَا لَمْ تُعْطَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئاً إِلاَّ تَاقَتْ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَلَمَّا أُعْطِيَتْ مَا لاَ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، تَاقَتْ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ -يَعْنِي: الجَنَّةَ-.
قَالَ حَمَّادُ بنُ وَاقِدٍ: سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ:
النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ عَنِّي زَاهِدٌ، إِنَّمَا الزَّاهِدُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الَّذِي أَتَتْهُ الدُّنْيَا فَتَرَكَهَا.
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامِ بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ:
دَعَانِي المَنْصُوْرُ، فَقَالَ: كَمْ كَانَتْ غَلَّةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ حِيْنَ اسْتُخْلِفَ؟
قُلْتُ: خَمْسُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
قَالَ: كَمْ كَانَتْ يَوْمَ مَوْتِهِ؟
قُلْتُ: مائَتَا دِيْنَارٍ.
وَعَنْ مَسْلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ وَقَمِيْصُهُ وَسِخٌ، فَقُلْتُ لامْرَأَتِهِ، وَهِيَ أُخْتُ مَسْلَمَةَ: اغْسِلُوْهُ.
قَالَتْ: نَفْعَلُ.
ثُمَّ عُدْتُ، فَإِذَا القَمِيْصُ عَلَى حَالِهِ، فَقُلْتُ لَهَا، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا لَهُ قَمِيْصٌ غَيْرُهُ.
وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ: كَانَتْ نَفَقَةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ.
وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، عَنْ عَوْنِ بنِ المُعْتَمِرِ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ قَالَ لامْرَأَتِهِ: عِنْدَكِ دِرْهَمٌ أَشْتَرِي بِهِ عِنَباً؟
قَالَتْ: لاَ.
قَالَ: فَعِنْدَكِ فُلُوْسٌ؟
قَالَتْ: لاَ، أَنْتَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى دِرْهَمٍ!
قَالَ: هَذَا أَهْوَنُ
(١) الخبر في طبقات ابن سعد ٥ / ٤٠٢، وقد تصحفت فيه " الجدة " إلى " الحدة ".