للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُتُبُ الأَوْزَاعِيِّ زَمَنَ الرَّجْفَةِ (١) ثَلاَثَةَ عَشَرَ قُنْدَاقاً (٢) ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِنُسَخِهَا، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو! هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِكَ، وَإِصلاَحُكَ بِيَدِكَ.

فَمَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.

وَقَالَ بِشْرُ بنُ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيُّ: قِيْلَ لِلأَوْزَاعِيِّ:

يَا أَبَا عَمْرٍو! الرَّجُلُ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهِ لَحْنٌ، أَيُقِيْمُهُ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ؟

قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِعَرَبِيٍّ.

قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: لاَ بَأْسَ بِإِصلاَحِ اللَّحْنِ وَالخَطَأِ فِي الحَدِيْثِ (٣) .

مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ كَاتِبِ المَنْصُوْرِ، قَالَ:

كَانَتْ تَرِدُ عَلَى المَنْصُوْرِ كُتُبٌ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، نَتَعَجَّبُ مِنْهَا، وَيَعْجَزُ كُتَّابُهُ عَنْهَا، فَكَانَتْ تُنسَخُ فِي دَفَاتِرَ، وَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَي المَنْصُوْرِ، فَيُكْثِرُ النَّظَرَ فِيْهَا اسْتِحْسَاناً لأَلفَاظِهَا.

فَقَالَ لِسُلَيْمَانَ بنِ مُجَالِدٍ - وَكَانَ مِنْ أَحظَى كُتَّابِهِ عِنْدَهُ -: يَنْبَغِي أَنْ تُجِيْبَ الأَوْزَاعِيَّ عَنْ كُتُبِهِ جَوَاباً تَامّاً.

قَالَ: وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا أُحْسِنُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أُحسِنُ، وَإِنَّ لَهُ نَظماً فِي الكُتُبِ، لاَ أَظُنُّ أَحَداً مِنْ جَمِيْعِ النَّاسِ يَقدِرُ عَلَى إِجَابَتِهِ عَنْهُ، وَأَنَا أَسْتَعِيْنُ بِأَلفَاظِهِ عَلَى مَنْ لاَ يَعرِفُهَا مِمَّنْ نُكَاتِبُهُ فِي الآفَاقِ.


(١) الرجفة: زلزلة عظيمة أصابت الشام سنة (١٣٠ هـ) ، وكان أكثرها ببيت المقدس، فهلك كثير ممن كان فيها من الانصار وغيرهم.
" تاريخ الإسلام ": ٥ / ٣٩.
(٢) القنداق: صحيفة الحساب.
كما في " لسان العرب ".
(٣) ذكره الرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": ٥٢٤ عنه.
وفي " الالماع ": ١٨٥، عن الاوزاعي: أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربا.
وفي " المحدث الفاصل ": ٥٢٦، عن الميموني، قال: رأيت أحمد بن حنبل يغير اللحن في كتابه.
وفيه أيضا عن الحسن بن محمد الزعفراني، وقد سئل عن الرجل يسمع الحديث ملحونا أيعر به؟ قال: نعم.
وعن الاصمعي: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار " لأنه لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه.
ذكره القاضي عياض في " الالماع ": ١٨٤، والصنعاني في " توضيح الافكار ": ٢ / ٢٩٤.