للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِنْدَ أَبِي شُرَيْحٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فَكَثُرَتِ المَسَائِلُ، فَقَالَ: قَدْ دَرِنَتْ قُلُوْبُكُم، فَقُوْمُوا إِلَى خَالِدِ بنِ حُمَيْدٍ المَهْرِيِّ، اسْتَقِلُّوا قُلُوْبَكُم، وَتَعَلَّمُوا هَذِهِ الرَّغَائِبَ وَالرَّقَائِقَ، فَإِنَّهَا تُجَدِّدُ العِبَادَةَ، وَتُورِثُ الزَّهَادَةَ، وَتَجُرُّ الصَّدَاقَةَ، وَأَقِلُّوا المَسَائِلَ، فَإِنَّهَا فِي غَيْرِ مَا نَزَلَ تُقَسِّي القَلْبَ، وَتُورِثُ العَدَاوَةَ.

قُلْتُ: صَدَقَ -وَاللهِ- فَمَا الظَّنُّ إِذَا كَانَتْ مَسَائِلُ الأُصُوْلِ، وَلوَازِمُ الكَلاَمِ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ مِنْ تَشْكِيكَاتِ المَنطِقِ، وَقَوَاعِدِ الحِكْمَةِ، وَدِيْنِ الأَوَائِلِ؟!

فكَيْفَ إِذَا كَانَتْ مِنْ حَقَائقِ (الاتِّحَادِيَّةِ (١)) ، وَزَنْدَقَةِ (السَّبْعِيْنِيَّةِ (٢)) ، وَمَرَقِ (البَاطِنِيَّةِ (٣)) ؟!

فَوَاغُربَتَاهُ، وَيَا قِلَّةَ نَاصِرَاهُ، آمَنْتُ بِاللهِ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.


(١) وهم الذين يقولون بوحدة الموجود، وهو مذهب باطل، يعري القائل به من الإسلام، لأنه يعد الله والوجود شيئا واحدا وأن الله موجود في كل موجود، وأن ما نحسه ونشهده هو الله في صورة العالم كما قال: نحن المظاهر والمعبود ظاهرنا * ومظهر الكون عين الكون فاعتبروا ولست أعبده إلا بصورته * فهو الاله الذي في طيه البشر راجع: " موقف العلم والعالم " لمصطفى صبري، الجزء الثالث منه، فإنه قد توسع في بيان هذا المذهب والقائلين به، ونقده.
(٢) السبعيثية: فرقة نسبت إلى رئيسها: عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن سبعين الاشبيلي المرسي، المتوفى سنة (٦٦٩ هـ) ، وهو من القائلين بوحدة الوجود.
قال ابن دقيق العيد: جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر، وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تعقل مركباته.
واشتهر عنه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله: " لانبي بعدي "، وكان يقول في الله عزوجل: إنه حقيقة الموجودات.
وقد فصد بمكة فترك الدم يجري حتى مات نزفا.
انظر ترجمته: عبرالذهبي: ٥ / ٢٩١، فوات الوفيات: ٢ / ٢٥٣ - ٢٥٥، لسان الميزان: ٣ / ٣٩٢، النجوم الزاهرة: ٢ / ١٩٦ - ٢٠٥، شذرات الذهب: ٥ / ٣٢٩.
(٣) الباطنية: دعوة ظهرت أولا في زمان المأمون، وانتشرت في زمان المعتصم.
وذكر أصحاب التواريخ أن الذين وضعوا أساس دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم، ولم يجسروا على إظهاره خوفا من سيوف المسلمين، ومنهم: ميمون بن ديصان المعروف بالقداح، ومحمد بن الحسين الملقب بدندان، ثم حمدان قرمط وأبو سعيد الجنابي انظر " الفرق بين الفرق ": ٢٨٢.