للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَطْلُبُهُ، فَصَارَ إِلَى بُسْتَانٍ، فَأَجَّرَ نَفْسَهُ لِحِفْظِ ثِمَارِهِ (١) ، فَمَرَّ بِهِ بَعْضُ العَشَّارِيْنَ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا شَيْخُ؟

قَالَ: مَنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ.

قَالَ: أَرُطَبُ البَصْرَةِ أَحْلَى، أَمْ رُطَبُ الكُوْفَةِ؟

قَالَ: لَمْ أَذُقْ رُطَبَ البَصْرَةِ.

قَالَ: مَا أَكْذَبَكَ! البَرُّ وَالفَاجِرُ وَالكِلاَبُ يَأْكُلُوْنَ الرُّطَبَ السَّاعَةَ.

وَرَجَعَ إِلَى العَامِلِ، فَأَخْبَرَهُ لِيُعجِبَهُ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! أَدْرِكْهُ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَإِنَّهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَخُذْهُ لِنَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَرَجَعَ فِي طَلَبِهِ، فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ.

قَالَ شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ: كُنْتُ أَحجُّ مَعَ سُفْيَانَ، فَمَا يَكَادُ لِسَانُهُ يَفتُرُ مِنَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، ذَاهِباً وَرَاجِعاً.

وَعَنْ سُفْيَانَ: أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى خُرَاسَانَ فِي حَقٍّ لَهُ، فَأَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ جَمَّالِيْنَ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَعْيَنَ: كُنْتُ مَعَ سُفْيَانَ وَالأَوْزَاعِيِّ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ - وَهُوَ أَمِيْرُ مَكَّةَ - وَسُفْيَانُ يَتوَضَّأ، وَأَنَا أَصُبُّ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ بَطَّأَهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: لاَ تَنْظُرُوا إِلَيَّ، أَنَا مُبْتَلَىً (٢) .

فَجَاءَ عَبْد الصَّمَدِ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَان: مَنْ أَنْتَ؟

فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ.

فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ اتَّقِ اللهَ، اتَّقِ اللهَ، وَإِذَا كَبَّرْتَ فَأَسْمِعْ.

قَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَرَى المُنْكَرَ، فَلاَ أَتكلَّمُ، فَأَبُولُ أَكدمَ دَماً.

قُلْتُ: مَعَ جَلاَلَةِ سُفْيَانَ، كَانَ يُبِيْحُ النَّبِيذَ الَّذِي كَثِيْرُهُ مُسكِرٌ (٣) .


(١) وممن عمل بنطارة البساتين الزاهد إبراهيم بن أدهم. انظر الصفحة: ٣٩٢. والقصة المشابهة لهذه في الصفحة: ٣٩٦.
(٢) أي موسوس في الوضوء.
(٣) انظر الصفحة: ٢٤١، ٢٧٥.