وتناول الفصل صلات الذهبي الشخصية بابن تيمية والمزي والبرزالي وأثرها في تبلور فكره السلفي المتمثل بميله إلى آراء الحنابلة ودفاعه عن مذهبهم في العقائد، وارتباطه الشديد بالحديث والمحدثين، ونظرته إلى العلوم والعلماء وفلسفتهم تجاه العلوم العقلية، مما أثر في منهجه التاريخي تأثيرا واضحا، فظهر في اهتمامه الكبير بالتراجم التي صارت تكون أسس كتبه، ومحور تفكيره التاريخي، وفي نظرته إلى الأحداث التاريخية وأسس انتقائها، ثم فيما وجه إلى كتاباته من نقد أثار نقاشا بين علماء عصره، وعند العلماء الذين جاءوا بعده.
أما نشاطه العلمي، فقد بينت أنه اتخذ وجهتين رئيستين: أولاهما كتاباته الكثيرة، وثانيتهما تدريسه الحديث في أمهات دور الحديث بدمشق بحيث استطعنا التعرف على خمس دور للحديث كان يتولى مشيختها في آن واحد قبيل وفاته.
وأبنت منزلة الذهبي العلمية استنادا إلى دراسة مسهبة لآثاره الكثيرة التي خلفها.
وقد أظهرت الدارسة أن منزلته العلمية وبراعته ظهرتا في أحسن الوجوه إشراقا وأكثرها تألقا عند دراستي له محدثا ومؤرخا وناقدا.
وعلى الرغم من أنه عاش في بيئة غلب عليها الجمود والنقل والتلخيص، فإنه قد تخلص من كثير من ذلك بفضل سعة دراساته وفطنته.
وكان مفهوم التاريخ عند الذهبي يتصل اتصالا وثيقا بالحديث النبوي الشريف وعلومه، وقد ظهر ذلك في عنايته التامة بكتب التراجم التي قامت عليها شهرته الواسعة باعتباره مؤرخا.
وقد جعلت منه معرفته الرجالية الواسعة ناقدا ماهرا، ظهر ذلك في مؤلفاته المعنية بالنقد وفي التفاتاته البارعة في أصول النقد، ورده لكثير من الروايات، وتخطئته لكبار النقاد، وقدرته الفائقة على البحث والاستدلال.