للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ ثَلاَثِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، طَرَقَ المَجُوْسُ الأَرْدَمَانِيُّوْنَ (١) إِشْبِيْلِيَةَ فِي ثَمَانِيْنَ مَرْكَباً فِي الوَادِي، فَصَادَفُوا أَهْلَهَا عَلَى غِرَارَةٍ بِمُطَاولَةِ أَمَدِ الأَمَانِ لَهُم مَعَ قِلَّةِ خِبْرَتِهِم بِحَرْبِهِم، فَطَلَعُوا مِنَ المَرَاكِبِ، وَقَدْ لاَحَ لَهُم خَوَرٌ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَاتَلُوْهُم، وَقَوَوْا عَلَى المُسْلِمِيْنَ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيْهِم، وَمَلَكُوا إِشْبِيْلِيَةَ بَعْدَ القَتْلِ الذَّرِيْعِ فِي أَهْلِهَا حَتَّى فِي النِّسَاءِ وَالبَهَائِمِ، وَأَقَامُوا بِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَوَرَدَ الخَبَرُ عَلَى الخَلِيْفَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ، فَاسْتَنْفَرَ جَيْشَهُ، وَبَعَثَ بِهِم إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ، فَحَلُّوا بِالشَّرْقِ، وَوَقَعَ القِتَالُ، وَاشْتَدَّ الخَطْبُ، وَانْتَصَرَ المُسْلِمُوْنَ، وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ بِالمَلاَعِيْنِ حَتَّى فَنِيَ جَمْعُ الكَفَرَةِ - لَعَنَهُمُ اللهُ - وَحَرَقَ المُسْلِمُوْنَ ثَلاَثِيْنَ مَرْكَباً مِنْ مَرَاكِبِهِم، فَكَانَ بَيْنَ دُخُوْلِهِم إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ وَهُرُوْبِهِم عَنْهَا ثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ يَوْماً.

وَهَذَا كَانَ السَّبَبُ فِي بِنَاءِ سُورِ وَادِيْهَا (٢) .

وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ: جَاءَ سَيْلٌ مَهُولٌ حَتَّى احْتَمَلَ رَبَضَ قَنْطَرَةِ قُرْطُبَةَ، وَاحْتَمَلَ سِتَّ عَشْرَةَ قَرْيَةً إِلَى البَحْرِ بِمَا فِيْهَا مِنَ النَّاسِ وَالمَوَاشِي، وَهَلَكَ مَا لاَ يُعَدُّ وَلاَ يُحْصَى، فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.

وَكَانَ مَوْلِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ: بِطُلَيْطِلَةَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.

وَمَاتَ: فِي ثَالِثِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمَائَتَيْنِ.


(١) هم النورمان، كانوا يغيرون على الأندلس من المنافذ النهرية، وسماهم المسلمون " المجوس " لانهم كانوا يشعلون النيران كثيرا، فظن المسلمون أنهم يعبدونها.
انظر ابن عذاري ٢ / ١٣٠.
(٢) انظر " المغرب " ١ / ٤٩.