للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُشِيْرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا؟

فَبَكَى بُكَاءً شَدِيْداً، حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ.

فَقُلْتُ لَهُ: ارْفُقْ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.

فَقَالَ: يَا ابْنَ أُمِّ الرَّبِيْعِ، تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُك، وَأَرْفُقُ بِهِ أَنَا.

ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي - رَحِمَكَ اللهُ -.

قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ عَامِلاً لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ شُكِيَ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:

يَا أَخِي! أُذَكِّرُكَ طُوْلَ سَهِرِ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ، مَعَ خُلُوْدِ الأَبَدِ، وَإِيَّاكَ أَنْ يُنْصَرَفَ بِكَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَيَكُوْنُ آخِرَ العَهدِ، وَانقِطَاعَ الرَّجَاءِ.

فَلَمَّا قَرَأَ الكِتَابَ، طَوَى البِلاَدَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ؟

قَالَ: خَلَعتَ قَلْبِي بِكِتَابِكَ، لاَ أَعُوْدُ إِلَى وِلاَيَةٍ حَتَّى أَلْقَى اللهَ.

فَبَكَى هَارُوْنُ بُكَاءً شَدِيْداً.

فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ العَبَّاسَ عَمَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَمِّرْنِي.

فَقَالَ لَهُ: (إِنَّ الإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تَكُوْنَ أَمِيْراً، فَافْعَلْ (١)) .

فَبَكَى هَارُوْنُ، وَقَالَ: زِدْنِي.

قَالَ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ، أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللهُ عَنْ هَذَا الخَلْقِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الوَجْهَ مِنَ النَّارِ، فَافْعَلْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمسِيَ وَفِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِك، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ أَصْبَحَ لَهُم غَاشّاً، لَمْ يَرُحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ (٢)) .

فَبَكَى هَارُوْنُ، وَقَالَ لَهُ:


(١) ذكر الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الاحياء: ٢ / ٣٥٠ حديث العباس بلفظ: " يا عباس، يا عم النبي، نقس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها " وقال: أخرجه ابن أبي الدنيا معضلا بغير إسناد، ورواه البيهقي من حديث جابر متصلا، ومن رواية ابن المنكدر مرسلا، وقال: هذا هو المحفوظ مرسلا، والمحفوظ أيضا حديث أبي ذر قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: " إن ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ".
أخرجه مسلم في صحيحه (١٨٢٥) ، وحديث عبد الرحمن بن سمرة: " لا تسأل الامارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها "، أخرجه البخاري: ١٣ / ١١٠، ومسلم (١٦٢٥) وحديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنكم ستحرصون على الامارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة " أخرجه البخاري: ١٣ / ١١١، والنسائي في البيعة: باب ما يكره من الحرص على الامارة، والقضاء: باب النهي عن مسألة الامارة، وأحمد: ٢ / ٤٧٦.
(٢) أخرجه البخاري: ١٣ / ١١٢، ١١٣، في الاحكام: باب: من استرعي رعية فلم ينصح، ومسلم (١٤٢) في الايمان: باب: استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، من حديث =