المُؤْمِنِيْنَ، قُلْتُ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ! لَقَدْ كُلِّفْتَ أَمْراً عَظِيْماً، أَمَا إِنِّيْ مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ وَجْهاً مِنْكَ، فَإِنْ قَدِرْتَ أَنْ لاَ تُسَوِّدَ هَذَا الوَجْهَ بِلَفْحَةٍ مِنَ النَّارِ، فَافْعَلْ.
قَالَ: عِظْنِي.
قُلْتُ: بِمَاذَا أَعِظُكَ؟ هَذَا كِتَابُ اللهِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، انْظُرْ مَاذَا عَمِلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ بِمَنْ عَصَاهُ، إِنِّيْ رَأَيْتُ النَّاسَ يَغُوصُونَ عَلَى النَّارِ غَوْصاً شَدِيْداً، وَيَطلُبُوْنَهَا طَلَباً حَثِيثاً، أَمَا وَاللهِ، لَوْ طَلَبُوا الجَنَّةَ بِمِثْلِهَا، أَوْ أَيسَرَ، لَنَالُوْهَا.
وَقَالَ: عُدْ إِلَيَّ.
فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَبْعَثْ إِلَيَّ، لَمْ آتِكَ، وَإِنِ انْتَفعتَ بِمَا سَمِعْتَ، عُدْتُ إِلَيْكَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ فِي مَرَضِهِ:
ارْحَمْنِي بِحُبِّي إِيَّاكَ، فَلَيْسَ شَيْءٌ إِلَيَّ مِنْكَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ وَهُوَ يَشتَكِي: مَسَّنِيَ الضُّرُّ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيْنَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنِ اسْتَوْحَشَ مِنَ الوَحْدَةِ، وَاسْتَأَنَس بِالنَّاسِ، لَمْ يَسْلَمْ مِنَ الرِّيَاءِ، لاَ حَجَّ وَلاَ جِهَادَ أَشدُّ مِنْ حَبْسِ اللِّسَانِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَشَدَّ غَمّاً مِمَّنْ سَجَنَ لِسَانَهُ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ كَثِيْراً يَقُوْلُ:
أِحْفَظْ لِسَانَكَ، وَأَقْبِلْ عَلَى شَأنِكَ، وَاعْرفْ زَمَانَكَ، وَأَخْفِ مَكَانَكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا الفَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ:
وَدِدْتُ أَنَّهُ طَارَ فِي النَّاسِ أَنِّي مُتُّ حَتَّى لاَ أُذْكَرَ، إِنِّيْ لأَسْمَعُ صَوْتَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَيَأْخُذُنِي البَوْلُ فَرَقاً مِنْهُم.
وَقَالَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ:
لِمَ تُكْرِهُوْنِي عَلَى أَمرٍ تَعْلَمُوْنَ أَنِّي كَارِهٌ لَهُ -يَعْنِي: الرِّوَايَةَ-؟ لَوْ كُنْتُ عَبْداً لَكُم فَكَرِهْتُكُم، كَانَ نَوْلِي أَنْ تَبِيْعُوْنِي، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِذَا دَفَعتُ رِدَائِي هَذَا