للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَى الرَّشِيْدِ، رَدَّ إِلَى يَحْيَى مَقَالِيْدَ الأُمُوْرِ، وَرَفَعَ مَحَلَّهُ، وَكَانَ يُخَاطِبُهُ: يَا أَبِي، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الوُزَرَاءِ، وَنَشَأَ لَهُ أَوْلاَدٌ صَارُوا مُلوَكاً، وَلاَ سِيَّمَا جَعْفَرٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا جَعْفَرٌ؟ لَهُ نَبَأٌ عَجِيْبٌ، وَشَأْنٌ غَرِيْبٌ، بَقِيَ فِي الارتِقَاءِ فِي رُتْبَةٍ، شَرَكَ الخَلِيْفَةَ فِي أَمْوَالِهِ، وَلَذَّاتِهِ، وَتَصَرُّفِهِ فِي المَمَالِكِ، ثُمَّ انْقَلْبَ الدَّسْتُ فِي يَوْمٍ، فَقُتِلَ، وَسُجِنَ أَبُوْهُ وَإِخوَتُهُ إِلَى المَمَاتِ، فَمَا أَجهَلَ مَنْ يَغتَرُّ بِالدُّنْيَا!

وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ خَالِدٍ يَقُوْلُ:

الدُّنْيَا دُوَلٌ، وَالمَالُ عَارِيَّةٌ، وَلَنَا بِمَنْ قَبْلَنَا أُسْوَةٌ، وَ [فِيْنَا] لِمَنْ بَعْدَنَا عِبْرَةٌ (١) .

قَالَ إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ: كَانَتْ صِلَةُ يَحْيَى إِذَا رَكِبَ لِمَنْ سَأَلَهُ مائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَتَيْتُهُ وَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ ضِيْقاً، فَقَالَ: مَا أَصْنَعُ بِكَ؟ مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِّي قَدْ جَاءنِي خَلِيْفَةُ صَاحِبِ مِصْرَ، يَسْأَلُ أَنْ أَسْتَهْدِي صَاحِبَهُ شَيْئاً، فَأَبَيْتُ، فَأَلَحَّ، وَبَلَغَنِي أَنَّ لَكَ جَارِيَةً بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَهُوَذَا أَسْتَهدِيهِ إِيَّاهَا، فَلاَ تَنْقُصْهَا مِنْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ شَيْئاً.

قَالَ: فَمَا شَعَرتُ إِلاَّ وَالرَّجُلُ قَدْ أَتَى، فَسَاوَمَنِي بِالجَارِيَةِ، فَبَذَلَ عِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَلِنْتُ، فَبِعتُهَا، فَلَمَّا أَتَيْتُ يَحْيَى، عَنَّفَنِي، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا خَلِيْفَةُ صَاحِبِ فَارِسَ، قَدْ جَاءنِي فِي نَحْوِ هَذَا، فَخُذْ جَارِيَتَكَ مِنِّي، فَإِذَا سَاوَمَكَ، لاَ تَنقُصْهَا مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.

قَالَ: فَأَتَانِي، فَبِعتُهَا بِثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى يَحْيَى، قَالَ: أَلَمْ نُؤَدِّبْكَ؟ خُذْ جَارِيَتَكَ.

قُلْتُ: قَدْ أَفَدتُ بِهَا خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، ثُمَّ تَعُوْدُ إِلَيَّ، هِيَ حُرَّةٌ، وَإِنِّيْ قَدْ تَزَوَّجْتُهَا.

قِيْلَ: إِنَّ وَلداً لِيَحْيَى، قَالَ لَهُ وَهُمْ فِي القُيُوْدِ: يَا أَبَةِ، بَعْدَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ


(١) " الكامل " لابن الأثير ٦ / ١٧٩، وما بين حاصرتين منه.