مَا أَدْخَلْتُ فِي كتَابِيَ (الجَامِعَ) إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتَرَكْتُ مِنَ الصِّحَاحِ لِحَالِ الطُّولِ.
فَتَرْكُ البُخَارِيِّ الاحْتِجَاجَ بِالشَّافِعِيِّ، إِنَّمَا هُوَ لاَ لِمَعْنَى يُوْجِبُ ضَعْفَهُ، لَكِن غَنِيَ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، إِذْ أَقدَمُ شُيُوْخِ الشَّافِعِيِّ: مَالِكٌ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَدَاوُدُ العَطَّارُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالبُخَارِيُّ لَمْ يُدْرِكِ الشَّافِعِيَّ، بَلْ لَقِيَ مَنْ هُوَ أَسنُّ مِنْهُ، كعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي عَاصِمٍ، مِمَّنْ رَوَوا عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَحَدَّثَهُ عَنْ شُيُوْخِ الشَّافِعِيِّ عِدَّةٌ، فَلَمْ يرَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مَالِكٍ.
فَإِنْ قِيْلَ: فَقَدْ رَوَى عَنِ المُسْنَدِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرٍو، عَنِ الفَزَارِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، فَلاَ شَكَّ أَنَّ البُخَارِيَّ سَمِعَ هَذَا الخَبَرَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهُوَ فِي (المُوَطَّأِ) فَهَذَا يَنْقُضُ عَلَيْكَ؟!
قُلْنَا: إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ حَدِيْثاً نَازِلاً وَهُوَ عِنْدَهُ عَالٍ، إِلاَّ لِمَعْنَى مَا يَجِدُهُ فِي العَالِي، فَأَمَّا أَنْ يُورِدَ النَّازلَ وَهُوَ عِنْدَهُ عَالٍ لاَ لِمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهِ، وَلاَ عَلَى وَجْهِ المتَابعَةِ لِبَعْضِ مَا اخْتُلِفَ فِيْهِ، فَهَذَا غَيْرُ مَوْجُوْدٍ فِي الكِتَابِ.
وَحَدِيْثُ الفَزَارِيِّ فِيْهِ بَيَانُ الخَبَرِ، وَهُوَ مَعْدُوْمٌ فِي غَيْرِهِ، وَجَوَّدَهُ الفَزَارِيُّ بِتَصْرِيْحِ السَّمَاعِ.
ثُمَّ سَرَدَ الخَطِيْبُ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ، قَالَ: وَالبُخَارِيُّ يَتَّبِعُ الأَلْفَاظَ بِالخَبَرِ فِي بَعْضِ الأَحَادِيْثَ، وَيُرَاعِيهَا، وَإِنَّا اعْتَبَرْنَا رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي ضَمَّنَهَا كُتُبَهُ، فَلَمْ نَجِدْ فِيْهَا حَدِيْثاً وَاحِداً عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ أَغْرَبَ بِهِ، وَلاَ تَفَرَّدَ بِمَعْنَى فِيْهِ يُشْبِهُ مَا بَيَّنَّاهُ.
وَمثلُ ذَلِكَ القَوْلِ فِي تَرْكِ مُسْلِمٍ إِيَّاهُ، لإِدرَاكِهِ مَا أَدْرَكَ البُخَارِيُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ، فَأَخْرَجَ فِي (سُنَنِهِ) لِلشَّافِعِيِّ غَيْرَ حَدِيْثٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute