للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِيْلَ: إِنَّهُ رَجَعَ مِنَ العِرَاقِ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُ أَبِي حَنِيْفَةَ.

وَسَأَلَهُ أَنْ يُجِيْبَ فِيْهَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَأَبَى، وَتَوَرَّعَ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى ابْنِ القَاسِمِ، فَأَجَابَهُ بِمَا حَفِظَ عَنْ مَالِكٍ، وَبِمَا يَعْلَمُ مِنْ قَوَاعِدِ مَالِكٍ، وَتُسَمَّى هَذِهِ المَسَائِلُ: الأَسَدِيَّةُ (١) .

وَحَصَلَتْ بِإِفْرِيْقِيَةَ لَهُ رِيَاسَةٌ وَإِمْرَةٌ، وَأَخَذُوا عَنْهُ، وَتَفَقَّهُوا بِهِ.

وَحَمَلَ عَنْهُ سُحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ، ثُمَّ ارْتَحَلَ سُحْنُوْنُ بِالأَسَدِيَّةِ إِلَى ابْنِ القَاسِمِ، وَعَرَضَهَا عَلَيْهِ.

فَقَالَ ابْنُ القَاسِمِ: فِيْهَا أَشْيَاءُ لاَ بُدَّ أَنْ تُغَيَّرَ، وَأَجَابَ عَنْ أَمَاكِنَ.

ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَسَدِ بنِ الفُرَاتِ: أَنْ عَارِضْ كُتُبَكَ بِكُتُبِ سُحْنُوْنَ.

فَلَمْ يَفْعَلْ، وَعَزَّ عَلَيْهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ القَاسِمِ، فَتَأَلَّمَ، وَقَالَ:

اللَّهُمَّ لاَ تُبَارِكْ فِي الأَسَدِيَّةِ، فَهِيَ مَرْفُوْضَةٌ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ (٢) .

قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: كَانَ عِنْدَ ابْنِ القَاسِمِ نَحْوُ ثَلاَثِ مائَةِ جِلْدٍ مَسَائِلَ عَنْ مَالِكٍ، وَكَانَ أَسَدٌ مِنْ أَهْلِ المَغْرِبِ سَأَلَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ عَنْ مَسَائِلَ، ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ وَهْبٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ.

فَأَتَى ابْنَ القَاسِمِ، فَتَوَسَّعَ لَهُ، وَأَجَابَ بِمَا عِنْدَهُ عَنْ مَالِكٍ، وَبِمَا يَرَاهُ.

قَالَ: وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُوْنَ فِي هَذِهِ المَسَائِلِ (٣) .

قَالَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الزَّاهِدُ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَسَدٌ، فَقُلْتُ: بِمَ تَأْمُرُنِي؟ بِقَولِ مَالِكٍ، أَوْ بِقَولِ أَهْلِ العِرَاقِ؟

فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ الآخِرَةَ، فَعَلَيْكَ بِمَالِكٍ.


(١) " ترتيب المدارك " ٢ / ٤٦٩.
(٢) انظر خبر المسائل الاسدية في " ترتيب المدارك " ٢ / ٤٦٩ - ٤٧٣.
(٣) " ترتيب المدارك " ٢ / ٤٦٩ - ٤٧١.