للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: هَذِهِ الحِكَايَةُ تَدُلُّ عَلَى جَلاَلَةِ عَفَّانَ، وَارْتِفَاعِ شَأْنِهِ عِنْدَ الدَّوْلَةِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ امْتُحِنَ، وَقُيِّدَ، وَسُجِنَ، وَعَفَّانُ فَمَا فَعَلُوا مَعَهُ غَيْرَ قَطْعِ الدَّرَاهِمِ عَنْهُ.

قَالَ القَاسِمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ دَيْزِيْلَ يَقُوْلُ:

لَمَّا دُعِيَ عَفَّانُ لِلْمِحْنَةِ، كُنْتُ آخِذاً بِلِجَامِ حِمَارِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ، عُرِضَ عَلَيْهِ القَوْلُ، فَامْتَنَعَ أَنْ يُجِيْبَ.

فَقِيْلَ لَهُ: يُحْبَسُ عَطَاؤُكَ - قَالَ: وَكَانَ يُعْطَى فِي كُلِّ شَهْرٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ - فَقَالَ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم وَمَا تُوْعَدُوْنَ} .

فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى دَارِهِ، عَذَلَهُ نِسَاؤُهُ وَمَنْ فِي دَارِهِ.

قَالَ: وَكَانَ فِي دَارِهِ نَحْوُ أَرْبَعِيْنَ إِنْسَاناً، فَدَقَّ عَلَيْهِ دَاقٌّ البَابَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَبَّهْتُهُ بِسَمَّانٍ أَوْ زَيَّاتٍ، وَمَعَهُ كِيْسٌ فِيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عُثْمَانُ! ثَبَّتَكَ اللهُ كَمَا ثَبَّتَّ الدِّيْنَ، وَهَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ (١) .

حَاجِبُ الطُّوْسِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُنِيْبٍ، قَالَ:

قَالَ عَفَّانُ: اخْتَلَفْتُ أَنَا وَفُلاَنٌ إِلَى حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ سَنَةً، لاَ نَكْتُبُ شَيْئاً، وَسَأَلْنَاهُ الإِمْلاَءَ، فَلَمَّا أَعْيَاهُ، دَعَا بِنَا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! تُشْلُوْنَ (٢) عَلَيَّ النَّاسَ.

قُلْنَا: لاَ نَكْتُبُ إِلاَّ إِمْلاَءً، فَأَملَى بَعْدَ ذَلِكَ (٣) .

قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: إِذَا اخْتَلَفَ أَبُو الوَلِيْدِ وَعَفَّانُ عَنْ حَمَّادٍ، فَالقَوْلُ قَوْلُ عَفَّانَ، عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْهُ، وَأَكْيَسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، وَعَفَّانُ


(١) " تاريخ بغداد " ١٢ / ٢٧١، ٢٧٢، و" تهذيب الكمال " لوحة ٩٤٣، و" تذهيب التهذيب " ٣ / ٤٤ / ٢.
(٢) تشلون: أي: تغرون، من أشليت الكلب على الصيد: إذا أغريته، وقد تحرف في " تاريخ بغداد " إلى: " تسألون ".
(٣) " تاريخ بغداد " ١٢ / ٢٧٢، و" تهذيب الكمال " لوحة ٩٤٣.