للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَغَلَبَ عَلَى أَذْرَبِيْجَانَ وَغَيْرِهَا، وَأَرَادَ أَنْ يُقِيْمَ المِلَّةَ المَجُوْسِيَّةَ، وَظَهَرَ فِي أَيَّامِهِ المَازَيَارُ أَيْضاً بِالمَجُوْسِيَّةِ بِطَبَرِسْتَانَ (١) ، وَعَظُمَ البَلاَءُ.

وَكَانَ المُعْتَصِمُ وَالمَأْمُوْنُ قَدْ أَنفَقُوا عَلَى حَرْبِ بَابَكَ قنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، فَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعَثَ المُعْتَصِمُ نَفَقَاتٍ إِلَى جَيْشِهِ مَعَ الأَفْشِيْنِ، فَكَانَتْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَأُخِذَتِ البَذُّ؛ مَدِيْنَةُ بَابَكَ اللَّعِينِ (٢) ، وَاخْتَفَى فِي غَيْضَةٍ، وَأُسِرَ أَهلُهُ وَأَوْلاَدُهُ، وَقُطِعَ دَابِرُ الخُرَّمِيَّةِ.

ثُمَّ وَرَدَ أَمَانٌ مِنَ المُعْتَصِمِ لِبَابَكَ، فَبَعَثَ بِهِ الأَفْشِينُ إِلَيْهِ مَعَ اثْنَيْنِ، وَكَتَبَ ابْنُه إِلَيْهِ يُشِيْرُ عَلَيْهِ بِقَبُولِ الأَمَانِ، فَلَمَّا دَخَلاَ إِلَى الشَّعْرَاءِ (٣) الَّتِي فِيْهَا بَابَكُ، قَتَلَ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ لِلآخَرِ: امضِ إِلَى ابْنِ الفَاعِلَةِ ابْنِي، فَقُلْ: لَوْ كَانَ ابْنِي، لَلَحِقَ بِي، ثُمَّ مَزَّقَ الأَمَانَ، وَفَارَقَ الغَيْضَةَ، وَصَعِدَ الجَبَلَ فِي


(١) من بلاد خراسان بفتح أوله وثانيه، سميت بذلك لان الشجر كان حولها شيئا كثيرا، فلم يصل إليها جنود كسرى حتى قطعوه بالفأس.
والطبر بالفارسية: الفأس، واستان: الشجر.
انظر " الروض المعطار " ص ٣٨٣.
(٢) انظر تفصيل ذلك في " تاريخ الطبري " ٩ / ٣١ - ٤٥، و" الكامل " ٦ / ٤٦٢ وما بعدها، وللبحتري من قصيدة يمدح بها أبا سعيد بن يوسف الثغري - وكان من قواد حميد الطوسي في حربه مع بابك الخرمي - في " ديوانه " ٢ / ١٢٥٦:
لله درك يوم بابك فارسا * بطلا لابواب الحتوف قروعا
حتى ظفرت ببذهم فتركته * للذل جانبه وكان منيعا وله فيه أيضا في " ديوانه " ١ / ٩:
ما زلت تقرع باب بابك بالقنا * وتزوره في غارة شعواء
حتى أخذت بنصل سيفك عنوة * منه الذي أعيا على الخلفاء
أخليت منه البذ وهي قراره * ونصبته علما بسامراء وانظر " ديوان أبي تمام " ٢ / ١٨ و٢٤ و٣٤.
(٣) الشعراء: الأرض الكثيرة الشجر.