أَخْبِرْنِي عَنْ مَا دَعَوْتُمُ النَّاسَ إِلَيْهِ، أَعَلِمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا دَعَا إِلَيْهِ، أَمْ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ؟
قَالَ: بَلْ عَلِمَهُ.
قَالَ: فَكَانَ يَسَعُهُ أَنْ لاَ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَيْهِ، وَأَنْتُم لاَ يَسَعُكُم؟! فَبُهِتُوا، وَضَحِكَ الوَاثِقُ، وَقَامَ قَابِضاً عَلَى فَمِهِ، وَدَخَلَ مَجْلِساً، وَمَدَّ رِجْلَيْهِ وَهُوَ يَقُوْلُ:
أَمرٌ وَسِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ، وَلاَ يَسَعُنَا!
ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُعْطَى الشَّيْخُ ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَأَنَّ يُرَدَّ إِلَى بَلَدِهِ (١) .
وَعَنْ طَاهِرِ بنِ خَلَفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ المُهْتَدِي بِاللهِ بنِ الوَاثِقِ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبِي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً، أَحْضَرَنَا.
قَالَ: فَأُتِي بِشَيْخٍ مَخْضُوْبٍ مُقَيَّدٍ، فَقَالَ أَبِي: ائِذَنُوا لأَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ وَأَصْحَابِهِ.
وَأُدْخِلَ الشَّيْخُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ.
قَالَ: بِئْسَ مَا أَدَّبَكَ مُؤَدِّبُكَ، قَالَ الله -تَعَالَى-: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحَيَّةٍ، فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا، أَوْ رُدُّوْهَا} [النِّسَاءُ: ٨٦] .
فَقَالَ أَحْمَدُ: الرَّجُلُ مُتَكَلِّمٌ.
قَالَ: كَلِّمْهُ.
فَقَالَ: يَا شَيْخُ، مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قَالَ: لَمْ تُنْصِفْنِي وَلِيَ السُّؤَالُ.
قَالَ: سَلْ.
قَالَ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟
قَالَ: مَخْلُوْقٌ.
قَالَ: هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالخُلَفَاءُ، أَمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ؟
فَقَالَ: شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوهُ.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوهُ وَعَلِمْتَهُ أَنْتَ؟!
فَخَجِلَ، وَقَالَ: أَقِلْنِي.
قَالَ: المَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قَالَ: مَخْلُوْقٌ.
قَالَ: شَيْءٌ عَلِمَهُ رَسُوْلُ اللهِ؟
قَالَ: عَلِمَهُ.
قَالَ: أَعَلِمَهُ وَلَمْ يَدْعُ النَّاسَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَوَسِعَهُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَفَلاَ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُ، وَوَسِعَ الخُلَفَاءَ بَعْدَهُ؟
فَقَامَ الوَاثِقُ، فَدَخَلَ الخَلْوَةَ،
(١) " فوات الوفيات " ٤ / ٢٢٩، و" عيون التواريخ " ٨ / لوحة ١٦٨، و" تاريخ الخلفاء " ص ٣٦٨.