للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البَشَرِ، وَتَشَكُّلُهَا فِي الذِّهْنِ، فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلاَلٌ، وَإِنَّمَا الصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ، فَإِذَا كَانَ المَوْصُوفُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ نَرَهُ، وَلاَ أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ عَايَنَهُ مَعَ قَولِهِ لَنَا فِي تَنَزِيْلِهِ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشُّوْرَى: ١١] ، فَكَيْفَ بَقِيَ لأَذْهَانِنَا مَجَالٌ فِي إِثْبَاتِ كَيْفِيَّةِ البَارِئِ - تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ - فكَذَلِكَ صِفَاتُهُ المُقَدَّسَةُ، نُقِرُّ بِهَا وَنَعْتَقِدُ أَنَّهَا حَقٌّ، وَلاَ نُمَثِّلُهَا أَصْلاً وَلاَ نَتَشَكَّلُهَا.

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، سَأَلْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُم} [الحَدِيْدُ: ٤] .

قَالَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ بِعِلْمِهِ، أَلاَ تَرَى قَوْلَهُ: {مَا يَكُوْنُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُم} ، الآيَةَ [المُجَادَلَةُ: ٧] .

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: طَلَبَ نُعَيْمٌ الحَدِيْثَ كَثِيْراً بِالعِرَاقِ وَالحِجَازِ، ثُمَّ نَزَلَ مِصْرَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى أُشْخِصَ مِنْهَا فِي خِلاَفَةِ أَبِي إِسْحَاقَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- فَسُئِلَ عَنِ القُرْآنِ، فَأَبَى أَنْ يُجِيْبَ فِيْهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَرَادُوهُ عَلَيْهِ، فَحُبِسَ بِسَامَرَّاءَ، فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوساً بِهَا حَتَّى مَاتَ فِي السِّجْنِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (١) .

وَكَذَاكَ أَرَّخَ: مُطَيَّنٌ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، وَابْنُ حِبَّانَ.

وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: سنَةَ تِسْعٍ.

قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: حُمِلَ، فَامْتَنَعَ أَنْ يُجِيْبَهُم، فَسُجِنَ، فَمَاتَ بِبَغْدَادَ، غَدَاةَ يَوْمِ الأَحَدِ، لِثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، وَكَانَ يَفْهَمُ الحَدِيْثَ، وَرَوَى مَنَاكِيْرَ عَنِ الثِّقَاتِ (٢) .


(١) " طبقات ابن سعد " ٧ / ٥١٩.
(٢) " تاريخ بغداد " ١٣ / ٣١٤.