الترتيب على الطبقات إنما تظهر في العصور الإسلامية الأولى، لذلك صرنا لا نشعر بوجود " الطبقة " في كتاب " السير كلما مضى الزمن بالكتاب، وضربت لكل ذلك أمثلة من الكتاب تعزز هذه الآراء وتقويها.
وكان لا بد لي، وأنا أبحث في منهج الكتاب، أن أتناول طبيعة التراجم المذكورة فيه، والأسس التي استند عليها الذهبي في ذكر ترجمة وإسقاط أخرى، فأبنت أنه ذكر " الأعلام " وأسقط المشهورين والمغمورين، وحاول أن يوجد موازنة بين الأعلام في النوعية والأزمان والأمكنة، واجتهد أن يقدم ترجمة كاملة، ومختصرة في الوقت نفسه لا تؤثر فيها كمية المعلومات التي تتوافر عنده.
ولما كان الذهبي فنانا تراجميا متميز الأسلوب في صياغة الترجمة وأساليب عرضها، فقد حاولت استشفاف منهجه الذي انتهجه في " السير " في هذا المجال.
ثم تناولت بالدراسة منهجه النقدي، فوجدته معنيا بكل أنواعه، لم يقتصر فيه على مجال واحد من مجالاته، فقد عني بنقد المترجمين وتبيان أحوالهم، وأصدر أحكاما وتقويمات تاريخية، وانتقد الموارد التي نقل منها، ونبه إلى أوهام مؤلفيها، وبرع في إصدار الأحكام على الأحاديث إسنادا ومتنا، وسحب ذلك على الروايات التاريخية.
وحاولت بعد ذلك أن أستبين مدى تعصبه، أو إنصافه في النقد، فتبين لي، بعد دراسته لجملة من كتاباته، أن الرجل قد وفق إلى حد كبير أن يكون منصفا، ونبهت إلى وجوب التفريق بين التعصب وبين الإيمان بالشيء، والدفاع عنه بكل ممكن.
أما أهمية كتاب " السير " فقد اجتهدت أن أستشرفها من دراسة علاقته بكتاب " تاريخ الإسلام " إذ كان قد شاع بين أوساط الدارسين أن " السير "