إِنْ أَظفَرَنِي بِهِ، لأقْتُلَنَّه.
قَالَ الدَّوْرَقِيُّ: وَكَانَ مُتَوَارِياً أَيَّامَ الرَّشِيْدِ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّشِيْدُ، ظَهَرَ، وَدَعَا إِلَى الضَّلاَلَةِ.
قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ المَأْمُوْنَ نَظَرَ فِي الكَلاَمِ، وَنَاظَرَ، وَبَقِيَ مُتوقِّفاً فِي الدُّعَاءِ إِلَى بِدعَتِهِ.
قَالَ أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ: خَالَطَه قَوْمٌ مِنَ المُعْتَزِلَةِ، فَحَسَّنُوا لَهُ القَوْلَ بِخَلقِ القُرْآنِ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ وَيُرَاقبُ بَقَايَا الشُّيُوْخِ، ثُمَّ قَوِيَ عَزْمُه، وَامتَحَنَ النَّاسَ.
أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَكْثَمَ، قَالَ:
قَالَ لَنَا المَأْمُوْنَ: لَوْلاَ مَكَانُ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، لأَظهرتُ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ.
فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِه: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَمَنْ يَزِيْدُ حَتَّى يُتَّقَى؟
فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنِي أَخَافُ إِنْ أَظْهَرتُهُ فَيَرُدُّ عَلَيَّ، يَخْتلِفُ النَّاسُ، وَتَكُوْنُ فِتْنَةٌ، وَأَنَا أَكرهُ الفِتْنَةَ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَنَا أَخْبُرُ ذَلِكَ مِنْهُ.
قَالَ لَهُ: نَعَمْ.
فَخَرَجَ إِلَى وَاسِطَ، فَجَاءَ إِلَى يَزِيْدَ، وَقَالَ: يَا أَبَا خَالِدٍ، إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ لَكَ: إِنِّي أُرِيْدُ أَن أُظْهِر خَلقَ القُرْآنِ.
فَقَالَ: كَذبتَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لاَ يَحمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُوْنَهُ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَاقعُدْ، فَإذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي المَجْلِسِ، فَقُلْ.
قَالَ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ الغَدُ، اجْتَمَعُوا، فَقَامَ، فَقَالَ كَمَقَالتِه.
فَقَالَ يَزِيْدُ: كَذَبتَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّه لاَ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُوْنَهُ وَمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
قَالَ: فَقَدِمَ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، كُنْتَ أَعْلَمَ، وَقَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَيْحَكَ يُلْعبُ بِكَ!!