للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَدَعَوتُه أَنْ لاَ أَرَى المُتَوَكِّلَ.

فلمْ أرَ المَأْمُوْنَ، مَاتَ بِالبَذَنْدُوْنِ (١) ، قُلْتُ: وَهُوَ نهرُ الرُّوْمِ.

وَبَقِيَ أَحْمَدُ مَحبوساً بِالرَّقَّةِ حَتَّى بُوْيِعَ المُعْتَصِمُ إِثرَ مَوْتِ أَخِيْهِ، فَرُدَّ أَحْمَدُ إِلَى بَغْدَادَ.

وَأَمَّا المُتَوَكِّلُ فَإِنَّه نَوَّهَ بِذكرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالتمسَ الاجْتِمَاعَ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ حضَرَ أَحْمَدُ دَارَ الخِلاَفَةِ بِسَامَرَّاءَ لِيُحَدِّثَ وَلَدَ المُتَوَكِّلِ وَيُبرِّك عَلَيْهِ، جلسَ لَهُ المُتَوَكِّلُ فِي طَاقَةٍ، حَتَّى نظرَ هُوَ وَأُمُّهُ مِنْهَا إِلَى أَحْمَدَ، وَلَمْ يَرَهُ أَحْمَدُ.

قَالَ صَالِحٌ: لَمَّا صَدَرَ أَبِي وَمُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ إِلَى طَرَسُوْسَ، رُدَّا فِي أَقيَادِهِمَا.

فَلَمَّا صَارَ إِلَى الرَّقَّةِ، حُمِلا فِي سَفِيْنَةٍ، فَلَمَّا وَصَلاَ إِلَى عَانَةَ (٢) ، تُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ، وَفُكَّ قَيدُه، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبِي.

وَقَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى حدَاثَةِ سِنِّهِ، وَقدْرِ عِلمِه أقومَ بأمرِ اللهِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ قَدْ خُتمَ لَهُ بِخَيْرٍ.

قَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، الله الله، إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلِي، أَنْتَ رَجُلٌ يُقْتَدَى بِكَ.

قَدْ مَدَّ الخَلْقُ أعنَاقَهُم إِلَيْكَ، لِمَا يَكُوْنُ مِنْكَ، فَاتَّقِ اللهَ، وَاثبُتْ لأمرِ اللهِ، أَوْ نَحْوِ هَذَا.

فَمَاتَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَدَفنتُه.

أَظُنُّ قَالَ: بِعَانَةَ.

قَالَ صَالِحٌ: وَصَارَ أَبِي إِلَى بَغْدَادَ مُقَيَّداً، فَمَكَثَ بِاليَاسريَّة (٣) أَيَّاماً،


(١) في الأصل بالباء، وهو تصحيف، فقد جاء في " معجم البلدان " ١ / ٣٦١، ٣٦٢: البذندون، بفتحتين وسكون النون ودال مهملة وواو ساكنة ونون: قرية بينها وبين طرسوس يوم، من بلاد الثغر، مات بها المأمون فنقل إلى طرطوس، ودفن بها.
ولطرسوس باب يقال له: باب بذندون، عنده في وسط السور قبر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون، كان خرج غازيا، فأدركته وفاته هناك، وذلك سنة ٢١٨ هـ.
(٢) بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال الجزيرة، وهي مشرفة على الفرات، وبها قلعة حصينة.
(٣) قرية كبيرة على ضفة نهر عيسى، بينها وبين بغداد ميلان.