للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَحنُ فِي أَيَّامِ الوَاثِقِ، إِذ جَاءَ يَعْقُوْبُ لَيلاً بِرِسَالَةِ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ:

يَقُوْلُ لَكَ الأَمِيْرُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ ذَكَرَكَ، فَلاَ يَجتَمِعَنَّ إِلَيْكَ أَحَدٌ وَلاَ تُسَاكِنِّي بِأَرْضٍ وَلاَ مَدينَةٍ أَنَا فِيْهَا، فَاذهبْ حَيْثُ شِئْتَ مِنْ أَرضِ اللهِ.

قَالَ: فَاختَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ بَقِيَّةَ حَيَاةِ الوَاثِقِ.

وَكَانَتْ تِلْكَ الفِتْنَةُ، وَقُتِلَ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ (١) .

وَلَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُختفياً فِي البَيْتِ لاَ يَخرجُ إِلَى صَلاَةٍ وَلاَ إِلَى غَيْرهَا حَتَّى هلكَ الوَاثِقُ.

وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئٍ، قَالَ: اخْتَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدِي ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ: اطلُبْ لِي مَوْضِعاً.

قُلْتُ: لاَ آمَنُ عَلَيْكَ.

قَالَ: افعلْ، فَإذَا فعلتَ، أَفَدتُكَ.

فَطَلَبتُ لَهُ مَوْضِعاً، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: اخْتَفَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الغَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ (٢) .

العَجَبُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ الحَافِظِ (٣) ، كَيْفَ ذَكرَ تَرْجَمَةَ أَحْمَدَ مُطَوَّلَةً كعوائِدِه، وَلَكِنْ مَا أوردَ مِنْ أمرِ المِحْنَةِ كَلِمَةً مَعَ صِحَّةِ أَسَانِيْدِهَا (٤) ، فَإِنَّ حَنْبَلاً أَلَّفهَا فِي جُزءينِ.

وَكَذَلِكَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، وَجَمَاعَةٌ.

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: حَدَّثَنِي جَدِّي؛ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: لقيتُ أَبَا


(١) وتمام الخبر في " تاريخ الإسلام " ص: ١٠٥: " فلم يزل أبو عبد الله مختفيا في غير منزله في القرب، ثم عاد إلى منزله بعد أشهر أو سنة لما طفئ خبره، ولم يزل ... ".
(٢) زاد ابن الجوزي في " مناقب الامام أحمد " ص: ٤٣٠ بقية كلام الامام أحمد: " وليس ينبغي أن تتبع سنة رسول الله في الرخاء، وتترك في الشدة ".
وهي حكمة بالغة من الامام، ليت الناس فهموها وعملوا بها.
(٣) يريد الحافظ ابن عساكر، مؤلف " تاريخ دمشق ".
(٤) وتمامه في " تاريخ الإسلام ": " ولعل له نية في تركها ".
وانظر سبب ترك الواثق للمحنة في " مناقب الامام أحمد " لابن الجوزي، ص: ٤٣١، ٤٣٧، وابن كثير ١٠ / ٣٢١.