للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالأَسيَافِ، وَقَالُوا: هَاتِ المَالَ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَيُّ مَال، أَيُّ مَال؟!! حَتَّى مَاتَ.

فَلَمَّا خرجَتِ الزَّنْجُ عَنِ البَصْرَةِ، دخلنَاهَا، فمررْنَا ببنِي مَازِن الطَّحَّانين - وَهنَاكَ كَانَ يَنْزِلُ الرِّيَاشِيُّ - فَدَخَلْنَا مَسْجِدَهُ، فَإِذَا بِهِ مُلقَىً وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ القِبْلَةِ، كَأَنَّمَا وُجِّهَ إِلَيْهَا.

وَإِذَا بِشَمْلَةٍ تحركُهَا الرِّيْحُ وَقَدْ تمزقَتْ، وَإِذَا جَمِيْعَ خَلْقِهِ صَحِيْحٌ سِوَيٌّ لَمْ ينشَقَّ لَهُ بطنٌ، وَلَمْ يتغيَّرْ لَهُ حَالٌ، إِلاَّ أَنَّ جلدَهُ قَدْ لَصِقَ بِعَظْمِهِ وَيبسَ، وَذَلِكَ بَعْد مقتلِهِ بِسنتينِ -رَحِمَهُ اللهُ (١) -.

قُلْتُ: فِتْنَةُ الزَّنْجِ كَانَتْ عَظِيْمَةً، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الشّيَاطينِ الدُّهَاةِ، كَانَ طُرقيّاً أَوْ مُؤَدِّباً، لَهُ نظرٌ فِي الشِّعْرِ وَالأَخْبَارِ، وَيَظْهَرُ مِنْ حَالِهِ الزَنْدَقَةُ وَالمروقُ، ادَّعَى أَنَّهُ علوِيٌّ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَالتفَّ عَلَيْهِ قُطَّاعُ طَرِيْقٍ، وَالعَبيدُ السُّودُ مِنْ غلمَانِ أَهْلِ البَصْرَةِ، حَتَّى صَارَ فِي عِدَّةٍ، وَتحيّلُوا وَحَصَّلُوا سُيوفاً وَعِصِيّاً، ثُمَّ ثَارُوا عَلَى أَطرَافِ البلدِ، فَبدَّعُوا وَقَتَّلُوا، وَقَوُوا، وَانضمَّ إِلَيْهِم كُلُّ مجرمٍ، وَاسْتفحلَ الشَّرُّ بِهِم؛ فَسَارَ جَيْشٌ مِنَ العِرَاقِ لحربِهِم، فكسرُوا الجَيْشَ، وَأَخَذُوا البَصْرَةَ، وَاستباحوهَا، وَاشتدَّ الخَطْبُ، وَصَارَ قَائِدُهُمُ الخَبِيْثُ فِي جَيْشٍ وَأُهْبَةٍ كَامِلَةٍ، وَعزمَ عَلَى أَخذِ بَغْدَادَ، وَبنَى لِنَفْسِهِ مَدِيْنَةً عَظِيْمَةً، وَحَارَ الخَلِيْفَةُ المعتمدُ فِي نَفْسِهِ، وَدَام البلاَءُ بِهَذَا الخَبِيْثِ المَارقِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهَابَتْهُ الجُيُوشُ، وَجَرَتْ مَعَهُ مَلاَحِمٌ وَوقَعَاتٌ يطولُ شرحُهَا، قَدْ ذكرَهَا المُؤَرِّخونَ إِلَى أَنْ قُتِلَ.

فَالزَّنْجُ هُمْ عبارَةٌ عَنْ عَبيدِ البَصْرَةِ الَّذِيْنَ ثَارُوا مَعَهُ، لاَ بَارَكَ اللهُ فِيْهِم (٢) .

أَخْبَرَنَا أَيُّوْبُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا فضلُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِبَغْدَادَ،


(١) " تاريخ بغداد " ١٢ / ١٤٠، و" تهذيب الكمال ": ٦٦٠
(٢) انظر التفصيل في تاريخ الطبري ٤٣١، ٤٣٧، وابن الأثير ٧ / ٢٣٥ و٢٤٤ وما بعدها.