سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ أَبَا عُمْرٍو بنَ عُلْوَانَ، وَسَأَلْتُهُ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا حَفْصٍ عِنْد الجُنَيْد؟
فَقَالَ: كُنْتُ غَائِباً، لَكِنْ سَمِعْتُ الجُنَيْد يَقُوْلُ:
أَقَامَ أَبُو حَفْصٍ عِنْدِي سنَةً مَعَ ثَمَانِيَةٍ، فَكُنْت أُطْعِمُهُم طعَاماً طيباً - وَذكر أَشْيَاءَ مِنَ الثِّيَابِ - فَلَمَّا أَرَادُوا السَّفَر، كَسَوْتُهُم، فَقَالَ لِي: لَوْ جِئْتَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ عَلَّمنَاك السخَاء وَالفُتُوَّةَ.
ثُمَّ قَالَ: عَمَلُك كَانَ فِيْهِ تكلُّفٌ، إِذَا جَاءَ الفُقَرَاء فَكُن مَعَهُم بِلاَ تكلُّف، إِن جُعت جَاعُوا، وَإِن شبِعْت شَبِعُوا.
قَالَ الخُلْدِيُّ: لَمَّا قَالَ أَبُو حَفْصٍ لِلْجنيد: لَو دخلتَ نَيْسَابُوْر علَّمنَاك كَيْفَ الفتوَّة، قِيْلَ لَهُ: مَا الَّذِي رَأَيْتَ مِنْهُ؟
قَالَ: صَيَّرَ أَصْحَابِي مُخَنّثين، كَانَ يتكلَّف لَهُم الأَلوَان، وَإِنَّمَا الفتوَةُ تَرْكُ التَّكلفِ.
وَقِيْلَ: كَانَ فِي خدمَةِ أَبِي حَفْصٍ شَابٌّ يلْزم السُّكُوت، فَسَأَلَهُ الجُنَيْد عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا أَنفقَ عَلَيْنَا مائَة أَلْف، وَاسْتدَان مائَة أَلْف مَا سَأَلَنِي مَسْأَلَةً إجلاَلاً لِي.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ: كَانَ أَبُو حَفْصٍ يَقُوْلُ:
من لَمْ يزن أَحْوَاله كُلَّ وَقْتٍ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَتَّهِم خواطِره، فَلاَ تَعُدَّه.
وفِي (مُعْجَمِ بَغْدَادَ) لِلسِّلَفِيِّ، قِيْلَ: قَدِمَ وَلدَان لأَبِي حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، فَحضرَا عِنْد الجُنَيْد، فَسَمِعَا قَوَّالَيْنِ، فَمَاتَا.
فَجَاءَ أَبُوْهُمَا، وَحضر عِنْد القَوَّالَيْنِ، فَسقطَا مَيِّتَيْن.
ابْنُ نُجيد: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الزَّجَّاجِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَفْصٍ نورَ الإِسْلاَم فِي وَقْتِه.
وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ: مَا اسْتحقَّ اسْمَ السخَاءِ مَنْ ذَكَرَ العَطَاءَ، وَلاَ لَمَحَهُ بِقَلْبِهِ.