وَانفصلُوا عَلَى هَذَا.
ثُمَّ وَرَدَ مِنْ فَارِسَ مَالٌ نَحْوَ عَشْرَةِ آلاَفِ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَانتشرَ فِي العَامَّةِ أَنَّ الأَترَاكَ عَلَى خَلْعِ المُهْتَدِي، فثَارَ العَوَامُّ وَالقُوَّادُ، وَكتبُوا رِقَاعاً أَلقَوهَا فِي المَسَاجِدِ، معَاشرَ المُسْلِمِيْنَ ادعُو لِخَلِيفَتِكُم العَدْلِ الرِّضَى، المضَاهِي عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ أَنْ يَنْصرَهُ اللهُ عَلَى عَدُوِّهِ.
ورَاسَلَ أَهْلُ الكَرْخِ وَالدُّورِ المُهْتَدِي بِاللهِ فِي الوُثُوبِ عَلَى مُوْسَى بنِ بُغَا، فجزَاهُم خَيْراً، وَوعدَهُم بِالجَمِيْلِ، وَعَاثَتِ الزَّنْجُ بِالبَصْرَةِ، وَيَعْقُوْبُ الصَّفَّارُ بِخُرَاسَانَ، وَقَتَلَ المُهْتَدِي الأَمِيْرَ بَاكيَال، فثَارَ أَصْحَابُهُ، وَأَحَاطُوا بِدَارِ الجوسَقِ، فَأُلْقِيَ الرَّأْسُ إِلَيْهِم، وَركِبَ أَعوَانُ الخَلِيْفَةِ، فَتمَّتْ ملحمَةٌ كُبرَى، قُتِلَ فِيْهَا مِنَ الأترَاكِ أَلوفٌ.
وَقِيْلَ: بَلْ أَلفٌ، فِي رَجَبٍ، سنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ أَصبحُوا عَلَى الحَرْبِ، فَرَكِبَ المُهْتَدِي وَصَالِحُ بنُ عَلِيٍّ فِي عُنُقِهِ المُصْحَفُ، يصيحُ: أَيُّهَا النَّاسُ انصرُوا إِمَامَكُم، فَحْمَلَ عَلَيْهِ أَخُو بَاكيَال فِي خَمْسِ مائَةٍ، وَخَامرَ الأَترَاكَ الَّذِيْنَ مَعَ الخَلِيْفَةِ إِلَيْهِ، وَحمِيَ الوطيسُ، وَتفلَّلَ جمعُ المُهْتَدِي، وَاسْتَحَرَّ بِهِمُ القتلُ، فولَّى وَالسَّيْفُ فِي يدِهِ يَقُوْلُ:
أَيُّهَا النَّاسُ، قَاتلُوا عَنْ خلِيفتِكُم، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ صَالِحِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَزْدَادَ، وَرَمَى السِّلاَحَ، وَلبسَ البيَاضَ لِيهرُبَ مِنَ السَّطْحِ، وَجَاءَ حَاجِبُ بَاكيَال، فَأُعْلِمَ بِهِ، فَهَرَبَ، فرمَاهُ وَاحِدٌ بِسَهْمٍ، وَنفحَهُ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى الحَاجِبِ، فَأَركَبُوهُ بغلاً، وَخلْفَهُ سَائِسٌ، وضربُوهُ، وَهُم يَقُوْلُوْنَ: أَيْنَ الذَّهبُ.
فَأَقرَّ لَهُم بِسِتِّ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ مُودعَةٍ بِبَغْدَادَ، فَأَخذُوا خَطَّهُ بِهَا، وَعصرَ تُركِيٌّ عَلَى أُنْثَيَيهِ، فَمَاتَ.
وَقِيْلَ: أَرَادُوا مِنْهُ أَنْ يَخلعَ نَفْسَهُ، فَأَبَى، فَقتلُوهُ -رَحِمَهُ اللهُ- وَبَايعُوا المعتمدَ عَلَى اللهِ (١) .
(١) راجع خبر خلع المهتدي وموته في " تاريخ الطبري " ٩ / ٤٥٦ وما بعدها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute