وَزَرَ الحَسَنُ لِلْمُعْتَمِدِ نَوْبَتَيْنِ فَصَادَرَهُ، ثُمَّ وَزَرَ لَهُ ثَالِثاً، فَاسْتَمَرَّ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ، فَسَخِطَ عَلَيْهِ، فَتَسَلَّلَ إِلَى مِصْرَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ابْنُ طُوْلُوْنَ، وَجَعَلَ إِلَيْهِ نَظَرَ الإِقْلِيْمِ، وَالْتَزَمَ لَهُ بِنَحْوِ أَلْفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ فِي السَّنَةِ مَعَ العَدْلِ، فَخَافَهُ العُمَّالُ، وَتَفَرَّغُوا لَهُ، وَقَالُوا: هَذَا عَيْنٌ عَلَيْكَ - لِلْمُوَفَّقِ وَلِيِّ العَهْدِ - فَتَخَيَّلَ وَسَجَنَهُ.
فَقَالُوا: مَا الرَّأْيُ فِي حَبْسِهِ فِي جِوَارِكَ، فَرُبَّمَا حَدَثَ بِهِ مَوْتٌ، فَيُنْسَبُ إِليْكَ.
فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى نَائِبِهِ بَأَنْطَاكِيَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَذِّبَهُ، فَتَلِفَ تَحْتَ العَذَابِ.
وَكَانَ - مَعَ ظُلْمِهِ - شَاعِراً جَوَاداً مُمَدَّحاً، امْتَدَحَهُ البُحْتَرِيُّ (١) وَغَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: عَمِلَ الوِزَارَةَ مَعَ كِتَابَةِ المُوَفَّقِ، وَكَانَ آيَةً فِي حِسَابِ الدِّيْوَانِ، حَتَّى قِيْلَ: مَا لاَ يَعْرِفُهُ ابْنُ مَخْلَدٍ، فَلَيْسَ مِنَ الدُّنْيَا.
وَكَانَ تَامَّ الشَّكْلِ، مَهِيْباً، فَاخِرَ البِزَّةِ، يُرْكِبُ غِلْمَانَهُ فِي الدِّيْبَاجِ، وَنَسِيْجِ الذَّهَبِ، وَعِدَّة جنَائِبَ.
وَإِذَا جَلَسَ فِي دَارِهِ تَقَعُ العَيْنُ عَلَى الفُرُشِ وَالسُّتُوِرِ، وَالآنِيَةِ الَّتِي قِيْمِتُهَا مائَةُ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
كَانَ فِي هَيْئَةِ سُلْطَانٍ كَبِيْرٍ.
مَاتَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ.
(١) انظر مدائح البحتري للحسن بن مخلد في " ديوانه " (ط. دار المعارف - ذخائر العرب) : ١ / ٣٣ - ٣٥، ٤٣٨ - ٤٣٩، ٤٧٦ - ٤٧٨، ٤٩٨ - ٥٠٠، ٦٠١ - ٦٠٦، و٤ / ٢١٥٨ - ٢١٦٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute