للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خِرَاشٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ وَارَةَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ المُتْقِنِيْنَ الأُمَنَاءِ، كُنْتُ لَيْلَةً عِنْدَهُ، فذَكَرَ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيَّ، فَذَكَرَ شُيُوْخَهُ، فَذَكَرَ (١) فِي طَلْقٍ وَاحِدٍ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ مِنْ شُيُوْخِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ غَايَةً، شَيْئاً عَجَباً.

وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ: سَمِعْتُ الشَّاذَكُوْنِيَّ، يَقُوْلُ: جَاءنِي مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، فَقَعَدَ يَتَقَعَّرُ (٢) فِي كَلاَمِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيِّ بَلَدٍ أَنْتَ؟

قَالَ: مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ، أَلَمْ يَأَتِكَ خَبَرِي؟ أَلَمْ تَسْمَعْ بِنَبَئِي؟ أَنَا ذُو الرِّحْلَتَيْنِ.

قُلْتُ: مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً) ؟

فَقَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا.

قُلْتُ: مَنْ؟

قَالَ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَبِيْصَةُ.

قُلْتُ: يَا غُلاَمُ! ائتِنِي بِالدِّرَّةِ، فَأَتَانِي بِهَا، فَأَمَرْتُهُ، فَضَرَبَهُ بِهَا خَمْسِيْنَ، وَقُلْتُ: أَنْتَ تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِي، مَا آمَنُ أَنْ تَقُولَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ غِلمَانِنَا (٣) .

قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: جَاءَ ابْنُ وَارَةَ إِلَى أَبِي كُرَيْبٍ، وَكَانَ فِي ابْنِ وَارَةَ بَأْوٌ (٤) ، فَقَالَ لأَبِي كُرَيْبٍ: أَلَمْ يَبْلُغْكَ خَبَرِي؟ أَلَمْ يَأْتِكَ نَبَئِي؟ أَنَا ذُو الرِّحْلَتَيْنِ، أَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ.

فَقَالَ: وَارَةُ؟ وَمَا وَارَةُ؟ وَمَا أَدْرَاكَ مَا وَارَةُ؟ قُمْ، فَوَاللهِ لاَ حَدَّثْتُكَ، وَلاَ حَدَّثْتُ قَوْماً أَنْتَ فِيهِم (٥) .


(١) في التذكرة: ٢ / ٥٧٥: " فذكر أبا إسحاق السبيعي وشيوخه ما نذكر منهم ... ".
(٢) التقعير: أن يتكلم بأقصى قعر فمه. وانظر ما جاء في " البيان والتبيين " للجاحظ: ١ / ١٣
(٣) الخبر في " تذكرة الحفاظ ": ٢ / ٥٧٦. وحديث: " إن من الشعر حكمة " أخرجه البخاري: ١٠ / ٤٤٥، ٤٤٦، باب ما يجوز من الشعر والرجز، وأبو داود: (٥٠١٠) ، في الأدب: باب ما جاء في الشعر، من حديث أبي بن كعب.
وأخرجه الترمذي: (٢٨٤٨) ، وأبو داود: (٥٠١١) ، من حديث بن عباس. وأخرجه الترمذي: (٢٨٤٧) ، من حديث ابن مسعود.
(٤) البأو: الكبر والتيه.
(٥) تذكرة الحفاظ: ٢ / ٥٧٦.