وَفِي شَجَاعَةِ الدُّبِّ يَقْتُلُ بِجَوَارِحِهِ كُلِّهَا، وَفِي حَمْلَةِ الخِنْزِيرِ لاَ يُوَلِّي دُبُرَهُ، وَفِي غَارَةِ الذِّئْبِ إِذَا أَيِسَ مِنْ وَجْهٍ أَغَارَ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي حَمْلِ السِّلاَحِ كَالنَّمْلَةِ تَحْمِلُ أَكثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، وَفِي الثَّبَاتِ كَالصَّخْرِ، وَفِي الصَّبْرِ كَالحِمَارِ، وَفِي الوَقَاحَةِ كَالكَلْبِ لَوْ دَخَلَ صَيْدُهُ النَّارَ لَدَخَلَ خَلْفَهُ، وَفِي التِمَاسِ الفُرْصَةِ كَالدِّيْكِ.
غُنْجَارُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ المُطَّوِّعِيَّ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ، يَقُوْلُ:
كُنْتُ أُكَاتِبُ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيَّ، فَكَتَبَ إلِيَّ: إِذَا أَرَدْتَ الخُرُوجَ إِلَى بلاَدِ الغُزَيَّةِ فِي شِرَاءِ الأَسْرَى، فَاكْتُبْ إلِيَّ.
فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ، فَقَدِمَ سَمَرْقَنْدَ، فَخَرَجْنَا، فَلَمَّا عَلِمَ جَعْبَوَيْه، اسْتَقْبَلَنَا فِي عِدَّةٍ مِنْ جُيُوْشِهِ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ، فَعَرَضَ يَوْماً جَيْشَهُ، فَمَرَّ رَجُلٌ، فَعَظَّمَهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، فَسَأَلنِي عَنْهُ السُّرْمَارِيُّ، فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ مُبَارِزٌ، يُعَدُّ بِأَلْفِ فَارِسٍ.
قَالَ: أَنَا أُبَارِزُهُ.
فَسَكَتُّ، فَقَالَ جَعْبَوَيْه: مَا يَقُوْلُ هَذَا؟
قُلْتُ: يَقُوْلُ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: لَعَلَّهُ سَكْرَانُ لاَ يَشْعُرُ، وَلَكِنْ غَداً نَرْكَبُ.
فَلَمَّا كَانَ الغَدُ رَكِبُوا، فَرَكِبَ السُّرْمَارِيُّ مَعَهُ عَمُوْدٌ فِي كُمِّهِ، فَقَامَ بإِزَاءِ المُبَارِزِ، فَقَصَدَهُ، فَهَرَبَ أَحْمَدُ حَتَّى بَاعَدَهُ مِنَ الجَيْشِ، ثُمَّ كَرَّ، وَضَرَبَهُ بِالعَمُوْدِ قَتَلَهُ، وَتَبِعَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ، لأَنَّهُ كَانَ سَبَقَهُ، فَلَحِقَهُ، وَعَلِمَ جَعْبَوَيه، فَجَهَّزَ فِي طَلَبِهِ خَمْسِيْنَ فَارِساً نَقَاوَةً، فأَدْرَكُوهُ، فَثَبَتَ تَحْتَ تَلٍّ مُخْتَفِياً، حَتَّى مَرُّوا كُلُّهُم، وَاحِداً (١) بَعْدَ وَاحِدٍ، وَجَعَلَ يَضْرِبُ بِعَمُودِهِ مِنْ وَرَائِهِم، إِلَى أَنْ قَتَلَ تِسْعَةً وَأَرْبَعِيْنَ، وَأَمْسَكَ وَاحِداً، قَطَعَ أَنْفَهُ وَأُذُنَيْهِ، وَأَطْلَقَهُ لِيُخْبِرَ، ثُمَّ بَعْدَ عَامَيْن تُوُفِّيَ أَحْمَدُ، وَذَهَبَ ابْنُ شَمَّاسٍ فِي الفِدَاءِ، فَقَالَ لَهُ جَعْبَوَيْه: مَنْ ذَاكَ الَّذِي قَتَلَ فُرْسَانَنَا؟
(١) في الأصل " واحد ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute