للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَهُوَ مُبْتَدِعٌ.

فَزَجَرَ عَنِ الخَوْضِ فِي ذَلِكَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.

وَأَمَّا دَاوُدُ فَقَالَ: القُرْآنُ مُحْدَثٌ.

فَقَامَ عَلَى دَاوُدَ خَلْقٌ مِن أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، وَأَنْكَرُوا قَولَهُ وَبَدَّعُوْهُ، وَجَاءَ مِنْ بَعْدِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، فَقَالُوا:

كَلاَمُ اللهِ مَعْنَىً قَائِمٌ بِالنَّفْسِ، وَهَذِهِ الكُتُبُ المُنْزَلَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَدَقَّقُوا وَعَمَّقُوا، فَنَسْأَلُ اللهَ الهُدَى وَاتِّبَاعَ الحَقِّ، فَالقُرْآنُ العَظِيْمُ، حُرُوْفُهُ وَمَعَانِيهُ وَأَلفَاظُهُ كَلاَمُ رَبِّ العَالِمِيْنَ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَتَلَفُّظُنَا بِهِ وَأَصْوَاتُنَا بِهِ مِنْ أَعْمَالنَا المَخْلُوْقَةِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (زَيِّنُوا القُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُم) (١) .

وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ المَلْفُوْظُ لاَ يَسْتَقِلُّ إِلاَّ بِتَلَفُّظِنَا، وَالمَكْتُوْبُ لاَ يَنْفَكُّ عَنْ كِتَابةٍ، وَالمَتْلُو لاَ يُسْمَعُ إِلاَّ بِتِلاَوَةِ تَالٍ، صَعُبُ فَهْمُ المَسْأَلَةِ، وَعَسُرَ إِفْرَازُ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ المَلْفُوْظُ مِنَ اللَّفْظِ الَّذِي يُعْنَى بِهِ التَّلَفُّظُ، فَالذِّهِنُ يَعْلَمُ الفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ هَذَا، وَالخَوْضُ فِي هَذَا خَطِرٌ - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ -.

وَفِي المَسْأَلَةِ بُحُوْثٌ طَوِيْلَةٌ، الكَفُّ عَنْهَا أَوْلَى، وَلاَ سِيَّمَا فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةِ المُزْمِنَةِ.


= بخراسان ثم قضى فترة من حياته الأولى في ترمذ وكان مولى لبني راسب من الازد وقد أطبق السلف على ذمه بسبب تغاليه في التنزيه وإنكار صفات الله، وتأويلها المفضي إلى تعطيلها.
وأول من حفظ عنه مقالة التعطيل في الإسلام هو الجعد بن درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت إليه، قد قتل سنة (١٢٨ هـ) ، مع الحارث بن سريج في حربه ضد بني أمية.
(انظر: الطبري: ٧ / ٢١٠، ٢٢١، ٢٣٦، ٢٣٧، وتاريخ الجهمية والمعتزلة: ١٠، وما بعدها، للقاسمي) .
والسلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات وقال: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة جهميا.
والامام أحمد يرى فيما يحكيه ابن جرير عنه - ان من قال: لفظي بالقرآن مخلوق.
فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع.
(١) أخرجه من حديث البراء بن عازب أحمد: ٤ / ٢٨٣، و٢٨٥، و٢٩٦، و٣٠٤، والدارمي: ٢ / ٤٧٤، وأبو داود: (١٤٦٨) ، والنسائي: ٢ / ١٧٩ - ١٨٠، وابن ماجة (١٣٤٢) وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان: (٦٦٠) ، والحاكم.