للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تَقَدَّمَكُم فِيْهِ؟

فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَتَظُنُّ أَنَّ مَنِ اعْتَقَدْتَ قَوْلَهُم إِجْمَاعاً (١) فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ عِنْدِي إِجمَاعٌ؟ أَحْسَنُ أَحْوَالِهِم أَنْ أَعُدُّهُم خِلاَفاً، وَهَيْهَاتَ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ.

فَغَضِبَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَالَ: أَنْتَ بِكِتَابِ (الزّهْرَةِ) أَمْهَرُ مِنْكَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.

قَالَ: وَبِكِتَابِ (الزّهرَةِ) تُعَيِّرُنِي؟ وَاللهِ مَا تُحْسِنُ تَسْتَتِمُّ قِرَاءتَهُ قِرَاءةَ مَنْ يَفْهَمُ، وَإِنَّهُ لِمَنْ أَحَدِ المنَاقِبِ لِي إِذْ أَقُولُ فِيْهِ:

أُكَرِّرُ فِي رَوْضِ المَحَاسِنِ مُقْلَتِي ... وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنَالَ مُحَرَّمَا

وَيَنْطِقُ سِرِّي عَنْ مُتَرْجَمِ خَاطِرِي ... فلَوْلا اخْتِلاسِي رَدَّهُ لَتَكَلَّمَا

رَأَيْتُ الهَوَى دَعْوَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِم ... فَمَا إِنْ أَرَى حُبّاً صَحِيْحاً مُسَلَّما

فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ (٢) : فَأَنَا الَّذِي أَقُولُ:

وَمُشَاهَدٍ بِالغُنْجِ مِنْ لَحَظَاتِهِ ... قَدْ بِتُّ أَمْنَعُهُ لَذِيْذَ سُبَاتِهِ

ضِنّاً بِحُسْنِ حَدِيْثِهِ وَعِتَابِهِ ... وَأُكَرِّرُ اللَّحَظَاتِ فِي وَجَنَاتِهِ

حَتَّى إِذَا مَا الصُّبْحُ لاحَ عَمُوْدُهُ ... وَلَّى بِخَاتَمِ رَبِّهِ وَبَرَاتِهِ

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَيَّدَ اللهُ القَاضِي، قَدْ أَخْبَرَ بِحَالَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى البَرَاءةَ مِمَّا تُوْجِبُهُ، فَعَلَيْهِ البَيِّنَةُ.

فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: مِنْ مَذْهَبِي أَنَّ المُقِرَّ إِذَا أَقَرَّ إِقرَاراً نَاطَهُ بِصِفَةٍ، كَانَ إِقرَارُهُ مَوْكُولاً إِلَى صِفَتِهِ تِلْكَ (٣) .


(١) في الأصل: " إجماع ". وكذا في " تاريخ بغداد ". والوجه ما أثبتناه.
(٢) زاد هنا الخطيب: " أو علي تفخر بهذا القول؟ ! وأنا..".
(٣) الخبر مفصل في: تاريخ بغداد: ٥ / ٢٦٠ - ٢٦٣، والزيادة منه. كما ورد الخبر مختصرا في: المنتظم: ٦ / ٥٩٤ - ٥٩٥. وورد في: وفيات الأعيان: ٤ / ٢٦٠، والوافي بالوفيات: ٣ / ٦٠ - ٦١ على أن الخلاف كان في مجلس الوزير ابن الجراح، والمناظرة كانت حول " الايلاء " فلينظر هناك.