للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَا فَرَسُ الزِّنْدِيْقِ (١) .

قَالَ أَبُو نَصْرٍ السَّرَّاجُ (٢) صَاحِبُ (اللمع) : بَلَغَنِي أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الحَارِثِ المُحَاسِبِي، فَصَاحَتْ شَاةٌ: مَاع.

فَشَهَقَ، وَقَالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ يَا سَيِّدِي.

فَغَضِبَ الحَارِثُ، وَأَخَذَ السِّكِيْنَ، وَقَالَ: إِنْ لَمْ تَتُبْ أَذْبَحْكَ.

أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مِقْسَمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الخَيَّاطُ (٣) ، سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ، قَالَ:

بَيْنَا أَنَا أَسِيْرُ وَقَدْ غَلَبَنِي النَّوْمُ، إِذ وَقَعْتُ فِي بِئْرٍ، فَلَمْ أَقْدِرْ أَطْلَع لِعُمْقِهَا.

فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ إِذ وَقَفَ عَلَى رَأْسِهَا رَجُلاَنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: نَجُوْزُ وَنَتْرُكُ هَذِهِ فِي طَرِيْقِ السَّابِلَةِ؟

قَالَ: فَمَا نَصْنَعُ؟

قَالَ: نَطُمُّهَا.

فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُوْلَ: أَنَا فِيْهَا، فَتَوَقَرْتُ (٤) : تَتَوَكَّلُ عَلَيْنَا وَتَشْكُو بَلاَءنَا إِلَى سِوَانَا؟!

فَسَكَتُّ، فَمَضَيَا، وَرَجَعَا بِشَيْءٍ جَعَلاَهُ عَلَى رَأْسِ البِئرِ غَطّوْهَا بِهِ، فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: أَمِنْتَ طَمَّهَا، وَلَكِنْ حَصَلْتَ مَسْجُوناً فِيْهَا.

فَمَكَثْتُ يَوْمِي وَلَيْلَتِي، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، نَادَانِي شَيْءٌ، يَهْتِفُ بِي وَلاَ أَرَاهُ: تَمَسَّكْ بِي شَدِيْداً.

فَمَدَدْتُ يَدَي، فَوَقَعْتُ عَلَى شَيْءٍ خَشِنٍ، فَتَمَسَّكْتُ بِهِ، فَعَلاَ، وَطَرَحَنِي، فَتَأَمَّلْتُ فَوْقَ الأَرْضِ فَذَا هُوَ سَبُعٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ لَحِقَنِي شَيْءٌ، فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! اسْتَنْقَذْنَاكَ مِنَ البَلاَءِ بِالبَلاَءِ، وَكَفَينَاك مَا تَخَافُ بِمَا تَخَافُ (٥) .


(١) حلية الأولياء: ١٠ / ٣٢١، والزيادة منه. وتتمة الخبر فيه: " فذكر أبو عمرو البصري، قال: اتبعته والناس وراءه يخرجونه من باب الشام. فرفع رأسه إلى السماء وقال: لك من قلبي المكان المصون * كل صعب علي فيك يهون
(٢) هو: عبد الله بن علي الطوسي. وفاته سنة (٣٧٨ هـ) وكتابه " اللمع " في التصوف. مطبوع بعناية أرنولد ألن نيكلسون، في ليدن سنة (١٩١٤ م) . ويقع في مجلد واحد.
(٣) في " الحلية ": " أبو بكر ".
(٤) في " الحلية ": " فتوقفت، فنوديت ".
(٥) انظر الخبر في " حلية الأولياء ": ١٠ / ٣٢٠ - ٣٢١، والزيادة منه. و: " تاريخ بغداد " ١ / ٣٩١ - ٣٩٢.