للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

احْتَاجَ بَلَدٌ فِيْهِ بَقِيٌّ إِلَى أَنْ يَرْحَلَ إِلَى هَا هُنَا مِنْهُ أَحَدٌ (١) ؟!

قَالَ طَاهِرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَنْدَلُسِيُّ: حَمَلْتُ مَعِي جُزْءاً مِنْ (مُسْنَدِ) بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ إِلَى المَشْرِقِ، فَأَرَيْتُهُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغَ، فَقَالَ: مَا اغْتَرَفَ هَذَا إِلاَّ مِنْ بَحْرٍ، وَعَجِبَ مِنْ كَثْرَةِ عِلْمِهِ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَيُّوْنَ، عَنْ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعْتُ مِنَ العِرَاقِ، أَجْلَسَنِي يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، وَسَمِعَ مِنِّي سَبْعَةَ أَحَادِيْثَ.

وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ بنِ الفَرَضِيِّ فِي (تَارِيْخِهِ) : مَلأَ بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ الأَنْدَلُسَ حَدِيْثاً، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ الأَنْدَلُسِيُّوْنَ: أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ (٢) ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو زَيْدٍ، مَا أَدْخَلَهُ مِنْ كُتُبِ الاختِلاَفِ، وَغَرَائِبِ الحَدِيْثِ، فَأَغْرُوا بِهِ السُّلْطَانَ وَأَخَافُوهُ بِهِ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ أَظْهَرَهُ عَلَيْهِم، وَعَصَمَهُ مِنْهُم، فَنَشَر حَدِيْثَهُ وَقَرَأَ لِلنَّاسِ رِوَايَتَهُ (٣) .

ثُمَّ تَلاَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ، فَصَارَتِ الأَنْدَلُسُ دَارَ حَدِيْثٍ وَإِسْنَادٍ (٤) .

وَمِمَّا انْفَرَدَ بِهِ، وَلَمْ يُدْخِلْهُ سِوَاهُ (مُصَنَّفُ) أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ بِتَمَامِهِ، وَكِتَابُ (الفِقْهِ) لِلشَافِعِيِّ بِكَمَالِهِ -يَعْنِي: (الأَمّ) - وَ (تَارِيْخُ) خَلِيْفَة، وَ (طَبَقَاتُ) خَلِيْفَة، وَكِتَابُ (سِيْرَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ) ، لأَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيِّ ... وَلَيْسَ لأَحَدٍ مِثْلَ (مُسْنَدِهِ) .

وَكَانَ وَرِعاً فَاضِلاً زَاهِداً ... قَدْ ظَهَرَتْ لَهُ إِجَابَاتُ الدَّعْوَةِ فِي غَيْرِ مَا شَيء.


(١) تذكرة الحفاظ: ٢ / ٦٣٠.
(٢) في رواية ابن الفرضي: " عبد الله بن خالد ".
(٣) زاد هنا ابن الفرضي: " فمن يومئذ انتشر الحديث بالاندلس ".
(٤) وزاد هنا: " وإنما كان الغالب عليها قبل ذلك حفظ رأي مالك وأصحابه ".