للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاس وَرهبُوهُ، ثُمَّ عَقَدَ لَهُ المُعْتَمِد مَكَان المُوَفَّق، وَجَعَلَ أَولاَدَهُ تَحْتَ يَدِه، ثُمَّ إِنَّ المعْتَمِد جلَس مَجْلِساً عَامّاً، أَشهدَ فِيْهِ عَلَى نَفْسه بِخَلْعِ وَلده المفوَّض إِلَى اللهِ جَعْفَر مِنْ وَلاَيَة عَهْدِهِ، وَإِفرَاد أَبِي العَبَّاسِ بِالعَهْدِ فِي المُحَرَّمِ، وَتُوُفِّيَ: فِي رَجَبٍ -يَعْنِي: المُعْتَمِد- فَقِيْلَ: إِنَّهُ غُمَّ فِي بِسَاط.

وَكَانَ المُعْتَضِد أَسمرَ نَحِيْفاً، مُعْتَدِلَ الخَلْق، أَقنَى الأَنْفِ (١) ، فِي مقدم لِحْيتهِ طولٌ، وَفِي مقدم رأْسِه شَامَةٌ بَيْضَاء، تعلُوهُ هَيْبَةٌ شَدِيْدَةٌ، رَأَيْتُهُ فِي خلاَفته.

قُلْتُ: لمَا بُوْيِع، قَدِمَتْ هدَايَا خُمَارَويه، وَخضع وَذَلِكَ عِشْرُوْنَ بَغْلاً تَحْمِلُ الذَّهَبْ، سِوَى الخَيْل وَالجَوَاهِر وَالنَّفَائِس، وَزُرَافَة، وَقَدِمَتْ هَدِيَّةُ الصَّفَّار، فولاَّهُ خُرَاسَان، وَتَزَوَّجَ المُعْتَضِد بِبِنْت خُمَارويه، فَقَدِمَتْ فِي تَجَمُّل لاَ يُعَبَّر عَنْهُ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ يَوْم النَّحْر، فَكَبَّرَ فِي الأُوْلَى سِتّاً وَفِي الثَّانِيَة نَسِي تكبيرهَا، وَلَمْ يكد يُسْمع صَوته (٢) .

وفِي سَنَة ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ: كَانَ أَوَّل شَأْن القرَامِطَة.

وَلاَ رَيْبَ أَنَّ أَوَّلَ وَهْنٍ عَلَى الأُمَّة قَتْلُ خلِيفتِهَا عُثْمَان صَبْراً، فَهَاجت الفِتْنَة، وَجَرَت وَقعَة الجَمل بِسببهَا، ثُمَّ وَقعَة صِفِّين، وَجَرَت سُيُول الدِّمَاء فِي ذَلِكَ.

ثمَّ خَرَجَتِ الخَوَارِج، وَكَفَّرَتْ عُثْمَان وَعَلِيّاً، وَحَارَبُوا، وَدَامتْ


(١) القنا: احديداب في الانف.
(٢) وجاء في " مروج الذهب ": ٢ / ٤٦٣، أنه صعد المنبر بعدها، فحصر ولم تسمع له خطبة، وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
حصر الامام ولم يبين خطبة * للناس في حل ولا إحرام
ما ذاك إلا من حياء لم يكن * ما كان من عي ولا إفحام