للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَمَّا قُتل المُتَوَكِّل غِيلَة (١) ، ثُمَّ قُتل المُعْتَزّ (٢) ، ثُمَّ الْمُسْتَعِين (٣) وَالمهتدي (٤) ، وَضَعُف شَأْن الخِلاَفَة تَوَثَّب ابْنا الصَّفَّار إِلَى أَنْ أَخذَا خُرَاسَان، بَعْدَ أَنْ كَانَا يَعملاَن فِي النُّحَاس، وَأَقبلاَ لأَخذِ العِرَاق وَقَلْعِ المعْتَمِد.

وَتوثّب طُرُقي دَاهِيَةٌ بِالزَّنج عَلَى البَصْرَةِ (٥) ، وَأَبَادَ العبَاد وَمَزَّق الجُيُوشَ، وَحَاربوهُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَى أَنْ قُتل.

وَكَانَ مَارقاً، بلغَ جُنْدُه مائَة أَلْف.

فَبقي يتشَبَّه بِهَؤُلاَءِ كُلُّ مَنْ فِي رأْسِه رِئاسَةٌ، وَيَتَحَيَّلُ عَلَى الأُمَّة ليرديهُم فِي دينهُم وَدُنيَاهُم، فَتحرَّك بِقُوَى الكُوْفَة رَجُل أَظهر التَّعَبُّدَ وَالتَّزَهُّدَ، وَكَانَ يسف الْخوص وَيُؤثِر، وَيدْعُو إِلَى إِمَام أَهْلِ البَيْت، فتلفَّق لَهُ خَلق وَتَأَلهوه إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ، فَظَهَرَ بِالبَحْرَيْن أَبُو سَعِيْدٍ الجنَابِي، وَكَانَ قَمَّاحاً، فَصَارَ مَعَهُ عَسْكَرٌ كَبِيْرٌ، وَنَهَبُوا، وَفَعَلُوا القبَائِح، وَتَزَنْدَقُوا، وَذَهَبَ الأَخوَان يدعُوَان إِلَى المَهْدِيّ بِالمَغْرِب، فثَار مَعَهُمَا البَرْبَر، إِلَى أَنْ مَلَكَ عَبْدُ اللهِ المُلَقَّب بِالمَهْدِيّ غَالِب المَغْرِب، وَأَظهرَ الرَّفْض، وَأَبطَنَ الزَّنْدَقَة، وَقَامَ


(١) كان ذلك سنة (٢٤٧ هـ) قال الذهبي في " العبر " ١ / ٤٤٩، فتكوا به في مجلس لهو بأمر ابنه المنتصر.
(٢) كان ذلك سنة (٢٤٤ هـ) .
قال الذهبي في " العبر ": ٢ / ٩: " خلعوه، فأشهد على نفسه مكرها، ثم أدخلوه بعد خمسة أيام إلى الحمام فعطش، حتى عاين الموت وهو يطلب الماء، فيمنع، ثم أعطوه ماء بثلج فشربه وسقط ميتا ".
(٣) كان ذلك سنة (٢٥٢ هـ) . ولعل الذهبي أراد من (ثم) هنا الجمع المطلق لا الترتيب، لما تراه من تقدم قتل المستعين على المعتز.
(٤) وذلك سنة (٢٥٦ هـ) .
(٥) وللشاعر ابن الرومي قصيدة رائعة في رثاء البصرة بعد تخريبها من قبل الزنج فلتنظر في ديوانه.