للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُحَمَّد البَلْخِيّ، عجزَ النَّاسُ عَنْ مُذَاكَرَتِهِ لحِفْظِهِ، فَذَاكَرَ جَعْفَرَ بنَ أَحْمَدَ بِأَحَادِيْثِ التَّمتُّع وَالحَجِّ، وَالإِفرَاد، وَالقِرَان، فَكَانَ يسرُد، فَقَالَ لَهُ جَعْفَر: تَحْفَظُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّى بِحجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعاً (١) ؟

قَالَ: فَبقِي وَاقفاً وَجَعَلَ يَقُوْلُ: التَّيْمِيُّ عَنْ أَنَسٍ ... فَقَالَ جَعْفَرُ: حدَّثْنَاهُ يَحْيَى بنُ حَبِيْبٍ بنِ عربِيّ: حَدَّثَنَا مُعْتمر، عَنْ أَبِيْهِ.

قَالَ الحَاكِمُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ السُّكَّرِيُّ - سِبْطُ جَعْفَر -:كَانَ جَدِّي قَدْ جزَّأَ اللَّيْل ثَلاَثَة أَجزَاء: ثُلُثاً يُصَلِّي، وَثُلُثاً يصَنّف وَثُلُثاً ينَام، وَكَانَ مرضُهُ ثَلاَثَة أَيَّام، لاَ يفتُرُ عَنْ قِرَاءة القُرْآن.

وَسَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ الشَّافِعِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو عَمْرٍو الخَفَّاف حِفظُهُ أَكْثَرُ مِنْ فَهْمِهِ، وَكَانَ لاَ يَقْبَلُ مِمَّنْ يرُدُّ عَلَيْهِ غَيْر جَعْفَر الحَافِظ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْجِعُ إِلَى قَوْله.

وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ الْخضر: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: كُنَّا فِي مَجْلِس مُحَمَّدِ بنِ رَافِعٍ تَحْتَ شَجَرَة يَقْرَأُ عَلَيْنَا، وَكَانَ إِذَا رفع أَحَدٌ صَوْته، أَوْ تَبَسَّمَ قَامَ وَلاَ يُرَاجَعُ، فَوَقَعَ ذرقُ طَير عَلَى يدِي وَكتَابِي، فَضَحِكَ خَادمٌ لأَوْلاَد طَاهِر بنِ عَبْدِ اللهِ الأَمِيْر، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ رَافِع، فَوَضَع الكِتَاب، فَانْتَهَى الخَبَرُ إِلَى السُّلْطَانِ، فجَاءنِي الخَادِمُ وَمَعَهُ حَمَّالٌ عَلَى ظَهره نبت سَامَان، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَملكُ إِلاَّ هَذَا، وَهُوَ هديَّةٌ لَكَ، فَإِن سُئِلت عَنِّي فَقُلْ: لاَ أَدْرِي مَنْ تبسَّم.

فَقُلْتُ: أَفعل.

فَلَمَّا كَانَ الْغَد حُمِلتُ إِلَى بَابِ السُّلْطَان، فَبرَّأْتُ الخَادِم، ثُمَّ بِعْتُ السَّامَان بِثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً، وَاسْتعنتُ بِذَلِكَ عَلَى


(١) ذكره ابن القيم في " زاد المعاد " ٢ / ١١٦، ونسبه للبزار، وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من طرق أخرى عن أنس.
انظر " زاد المعاد " ٢ / ١١٧ وما بعدها.