أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَضْرَمِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْد الجُنَيْد، إِذْ وَرد شَابٌّ عَلَيْهِ خِرْقَتَانِ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ سَاعَة، فَأَقبل عَلَيْهِ الجُنَيْد، فَقَالَ لَهُ: سَلْ مَا تُرِيْد أَنْ تسأَل.
فَقَالَ لَهُ: مَا الَّذِي بَايَنَ الخَلِيْفَة عَنْ رُسُوم الطَّبْع؟
فَقَالَ الجُنَيْد لَهُ: أَرَى فِي كَلاَمك فُضُولاً، لِمَ لاَ تسأَل عَنْ مَا فِي ضمِيرك مِنَ الخُرُوج وَالتَّقَدُّم عَلَى أَبْنَاء جِنْسِكَ؟
فَأَقبلَ الجُنَيْد يَتَكَلَّم، وَأَخَذَ هُوَ يُعَارِضُهُ إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ الجُنَيْد: أَيّ خَشَبَةٍ تُفْسِدُهَا؟ يُرِيْد أَنَّهُ يُصْلب.
قَالَ السُّلَمِيُّ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الهَمَذَانِيَّ يَقُوْلُ: سأَلت إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَيْبَان عَنِ الحَلاَّج، فَقَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُر إِلَى ثمرَات الدَّعَاوِي الفَاسِدَة فليَنْظُرْ إِلَى الحَلاَّج وَمَا صَارَ إِلَيْهِ.
أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ بَاكويه: حَدَّثَنَا أَبُو الفَوَارِسِ الجَوْزَقَانِيّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَيْبَان قَالَ: سلَّم أُسْتَاذِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَغْرِبِيُّ عَلَى عَمْرو بنِ عُثْمَانَ، فجَارَاهُ فِي مَسْأَلَة، فجرَى فِي عُرض الكَلاَم أَنْ قَالَ: هَا هُنَا شَابٌّ عَلَى جَبَل أَبِي قُبَيْس.
فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْد عَمْرو صعِدنَا إِلَيْهِ، وَكَانَ وَقت الهَاجرَة، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالسٌ فِي صحْن الدَّار عَلَى صخرَةٍ فِي الشَّمْس، وَالعَرَقُ يسيلُ مِنْهُ عَلَى الصَّخْرَة، فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ المَغْرِبِيُّ رَجَعَ وَأَشَار بِيَدِهِ: ارْجِع.
فنزلنَا المَسْجَد، فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِن عشتَ ترَ مَا يَلقَى هَذَا، قَدْ قَعَدَ بِحمقِهِ يتصبَّر مَعَ الله.
فَسَأَلنَا عَنْهُ فَإِذَا هُوَ الحَلاَّج.
قَالَ السُّلَمِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الكتَّانِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلَ الحَلاَّج مَكَّة، فجهِدْنَا حَتَّى أَخَذْنَا مرقَّعته، فَأَخَذْنَا مِنْهَا قَمْلَة، فوزنَّاهَا فَإِذَا فِيْهَا نِصْفُ دَانقٍ (١) مِنْ شِدَّة مُجَاهَدته.
(١) الدانق والدانق: من الاوزان. قال صاحب " اللسان ": هو سدس الدرهم، وأنشد ابن بري: =