أَحْمَد الحَاسِبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ وَالدِي يَقُوْلُ: وَجَّهنِي المُعْتَضِدُ إِلَى الهِنْد لأُمُورٍ أَتعرَّفُهَا لَهُ، فَكَانَ مَعِي فِي السَّفِيْنَة رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالحُسَيْن بنِ مَنْصُوْرٍ، وَكَانَ حَسَنَ العِشْرَة، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْمركب قُلْتُ: لِمَ جِئْت؟
قَالَ لأَتَعَلَّمَ السِّحرَ وَأَدْعُو الْخلق إِلَى اللهِ.
وَكَانَ عَلَى سطح كوخ فِيْهِ شَيْخ.
فَقَالَ لَهُ: هَلْ عِنْدَكُم مَنْ يَعْرِف شَيْئاً مِنَ السّحر؟
قَالَ: فَأَخْرَجَ الشَّيْخ كُبَّةً مِنْ غزل، وَنَاول طرَفهَا الحُسَيْن، ثُمَّ رمَى الكُبَّةَ فِي الهوَاء، فصَارت طَاقَة وَاحِدَة، ثُمَّ صعد عَلَيْهَا وَنَزَلَ، وَقَالَ لِلْحُسَيْنِ: مِثْل هَذَا تُرِيْد؟.
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ التَّنُوْخِيّ (١) :سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ الأَزْرَق: حَدَّثَنِي غَيْر وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَات: أَنَّ الحَلاَّج كَانَ قَدْ أَنْفَذَ أَحَدَ أَصْحَابِهِ إِلَى بلاَد الْجَبَل، وَوَافقه عَلَى حِيْلَةٍ يعملهَا، فسَافر، وَأَقَامَ عِنْدَهُم سِنِيْنَ يظْهر النُّسُكَ وَالعِبَادَة، وَإِقرَاء القُرْآن وَالصَّوْم، حَتَّى إِذَا علم أَنَّهُ قَدْ تَمَكَّنَ أَظهر أَنَّهُ قَدْ عَمِيَ، فَكَانَ يُقَاد إِلَى مَسْجِد، وَيتعَامَى شهوراً، ثُمَّ أَظهر أَنَّهُ قَدْ زَمِنَ، فَكَانَ يُحْمَلَ إِلَى المَسْجَد، حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَتقرَّر فِي النُّفُوْس زَمَانَتُهُ وَعَمَاهُ، فَقَالَ لَهُم بَعْدَ ذَلِكَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ لِي: إِنَّهُ يَطْرُقُ هَذَا البلدَ عَبْدٌ مُجَابُ الدَّعْوَةِ، تُعَافَى عَلَى يَده، فَاطلبُوا لِي كُلَّ مَنْ يجتَاز مِنَ الفُقَرَاء، فلَعَلَّ الله أَنْ أُعَافَى.
فَتَعَلَّقَتِ النُّفُوْس بِذَلِكَ العَبْد، وَمَضَى الأَجلُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَلاَّج، فَقَدِمَ البلدَ، وَلبس الصُّوف، وَعكَفَ فِي الجَامِع، فتنبَّهُوا لَهُ، وَأَخبَرُوا الأَعمَى، فَقَالَ: احمِلونِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا حصل عِنْدَهُ وَعلم أَنَّهُ الحَلاَّج قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ: إِنِّيْ رَأَيْت منَاماً.
وَقصَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنَا وَمَا مَحَلِّي؟ ثُمَّ أَخذ يَدْعُو لَهُ، وَمسح يَده عَلَيْهِ، فَقَامَ
(١) الخبر في " نشوار المحاضرة " ٦ / ٧٨ ٧٦، و" تاريخ بغداد " ٨ / ١٢٣ ١٢٢ وما بين حاصرتين منهما.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute