لَئِنْ أَمْسَيْتُ فِي ثَوْبَي عَدِيْمٍ ... لَقَدْ بَليَا عَلَى حُرٍّ كَرِيْمِ
فَلاَ يَحْزُنْكَ أَنْ أَبْصَرْتَ حَالاً ... مُغَيَّرَةً عَنِ الحَالِ القَدِيْم
فَلِي نَفْسٌ سَتَذْهَبُ أَوْ سَتَرْقَى ... لَعَمْرُكَ بِي إِلَى أَمْرٍ جَسِيْم (١)
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِ مائَةٍ أُدخل الحَلاَّج بَغْدَاد مَشْهُوْراً عَلَى جَمل، قبض عَلَيْهِ بِالسُّوس، وَحُمِلَ إِلَى الرَّائِشِيّ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى بَغْدَادَ، فَصُلِبَ حَيّاً، وَنُودِي عَلَيْهِ: هَذَا أَحَدُ دُعَاة القرَامِطَة فَاعْرِفُوهُ.
وَقَالَ الفَقِيْه أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ: كَانَ الحَلاَّجُ قَدِ ادَّعَى أَنَّهُ إِله، وَأَنَّهُ يَقُوْلُ بِحُلُول اللاَّهُوتِ فِي النَّاسُوت، فَأَحْضَرَهُ الوَزِيْرُ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى فَلَمْ يجده - إِذْ سأَله - يُحْسِنُ القُرْآن وَالفِقْه وَلاَ الحَدِيْثَ.
فَقَالَ: تعلُّمُكَ الفرضَ وَالطَّهور أَجدَى عَلَيْكَ مِنْ رسَائِل لاَ تَدْرِي مَا تَقُولُ فِيْهَا.
كَمْ تَكْتُبُ - وَيْلَك - إِلَى النَّاس: تبَاركَ ذُو النُّوْرِ الشَّعْشَعَانِيّ؟! مَا أَحْوَجَكَ إِلَى أَدب! وَأَمَرَ بِهِ فصُلب فِي الجَانب الشَّرْقِيّ، ثُمَّ فِي الغربِيّ.
وَوُجد فِي كُتُبِه: إِنِّيْ مُغْرِقُ قَوْم نوح، وَمُهْلِك عَادَ وَثمود.
وَكَانَ يَقُوْلُ لِلْوَاحِد مِنْ أَصْحَابه: أَنْتَ نُوح.
وَلآخر: أَنْتَ مُوْسَى.
وَلآخر: أَنْتَ مُحَمَّد.
وَقَالَ: مَنْ رَسَتْ قَدَمُهُ فِي مَكَان المنَاجَاة، وَكُوْشِفَ بِالمُبَاشرَة، وَلُوْطِفَ بِالمُجَاوَرَة، وَتلذَّذ بِالقُرْبِ، وَتزيَّن بِالأُنْس، وَترَشَّحَ بِمرَأَى الْمَلَكُوت، وَتوشَّح بِمَحَاسِن الجَبَروت، وَترقَّى بَعْدَ أَنْ توقَّى، وَتَحَقَّقَ بَعْدَ أَنْ تمَزَّق، وَتَمَزَّقَ بَعْدَ أَنْ تزندَق، وَتصرَّف بَعْدَ أَنْ تعرَّف، وَخَاطبَ وَمَا رَاقبَ، وَتدلَّلَ بَعْدَ أَنْ تَذَلَّل، وَدَخَلَ وَمَا اسْتَأَذنَ، وَقُرِّبَ لَمَّا خُرِّب، وَكُلِّمَ لَمَّا كُرِّم، مَا قتلُوهُ وَمَا صَلَبوهُ.
(١) " ديوان الحلاج ٢ ص ١١٨ ١١٧. وانظر أيضا " تاريخ بغداد " ٨ / ١١٧، و" البداية والنهاية " ١١ / ١٣٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute