وَقَالَ لَهَا:
زَوَّجتُكِ ابْنِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ أَعَزُّ وَلَدِي عَلَيَّ، وَهُوَ مُقِيْمٌ بِنَيْسَابُوْرَ، لَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَقَعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَزَوجِهَا خِلاَفٌ، أَوْ تُنْكِرَ مِنْهُ حَالاً، وَقَدْ أَوصَيتُه بِكِ، فَمَتَى جَرَى عَلَيْكِ شَيْءٌ، فَصُومِي يَوْمَكِ، وَاصعَدِي إِلَى السَّطحِ، وَقُومِي عَلَى الرَّمَادِ، وَاجعَلِي فِطْرَكِ عَلَيْهِ مَعَ مِلْحٍ، وَاسْتَقبِلِي نَاحِيَتِي، وَاذْكُرِي مَا أَنكَرتِيْهِ، فَإِنِّي أَسْمَعُ وَأَرَى.
قَالَتْ: وَكُنْتُ لَيْلَةً نَائِمَةً، فَمَا أَحسَستُ بِهِ إِلاَّ وَقَدْ غَشِيَنِي، فَانتَبَهتُ مَذْعُوْرَةً مُنكِرَةً لِذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا جِئْتُ لأُوقِظَكِ لِلصَّلاَةِ.
وَلَمَّا أَصبَحنَا وَمَعِي بِنْتُه، نَزَلَ، فَقَالَتْ بِنْتُهُ: اسجُدِي لَهُ.
فَقُلْتُ: أَوَ يُسْجَدُ لِغَيْرِ اللهِ؟!
فَسَمِعَ كَلاَمِي، فَقَالَ: نَعَمْ، إِلَهٌ فِي السَّمَاءِ، وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ.
قَالَتْ: وَدَعَانِي إِلَيْهِ، وَأَدخَلَ يَدَه فِي كُمِّهِ، وَأَخرَجَهَا مَمْلُوْءةً مِسْكاً، فَدَفَعَه إِلَيَّ، وَقَالَ: هَذَا تُرَابٌ، اجعَلِيهِ فِي طِيْبِكِ.
وَقَالَ مَرَّةً: ارفَعِي الحَصِيرَ، وَخُذِي مَا تُرِيدِيْنِ.
فَرَفَعتُهَا، فَوَجَدْتُ الدَّنَانِيْرَ تَحْتهَا مَفْرُوْشَةً مِلْءَ البَيْتِ، فَبَهَرنِي مَا رَأَيْتُ (١) .
وَلَمَّا حَصَلَ الحَلاَّجُ فِي يَدِ حَامِدٍ، جَدَّ فِي تَتَبُّعِ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ مِنْهُم: حَيْدَرَةَ، وَالسِّمَّرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ القُنَّائِيَّ، وَأَبَا المُغِيْثِ الهَاشِمِيَّ، وَابْنَ حَمَّادٍ، وَكَبَسَ بَيتَهُ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ دَفَاتِرُ كَثِيْرَةٌ، وَبَعْضُهَا مَكْتُوْبٌ بِالذَّهَبِ، مُبَطَّنَةٌ بِالحَرِيْرِ.
فَقَالَ لَهُ حَامِدٌ: أَمَا قَبَضتُ عَلَيْكَ بِوَاسِطَ، فَذَكَرْتَ لِي دفعَةً أَنَّكَ المَهْدِيُّ، وَذَكَرتَ مَرَّةً أَنَّكَ تَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللهِ، فَكَيْفَ ادَّعَيتَ بَعْدِي الإِلَهِيَّةَ؟
وَكَانَ فِي الكُتُبِ عَجَائِبُ مِنْ مُكَاتَبَاتِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ النَّافِذِيْنَ إِلَى
(١) انظر أقوال بنت السمري في: " نشوار المحاضرة " ٦ / ٨٢ ٨١، و" تاريخ بغداد " ٨ / ١٣٥ ١٣٤.