قتادة، أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، فعدت له فسكت، فناشدته الثالثة، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار.
قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي. حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان؛ وكنت كاتبا؛ فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. وهذا أيضا من البلاء، فتيممت به التنور فسجرته به، حتى إذا مضى لنا أربعون ليلة من الخميس إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل بها؟ فقال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها. وأرسل إلي صاحبي بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله هذا الأمر.
قال كعب: فجاءت امرأة هلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن هلالا شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ فقال: لا، ولكن لا يقربنك. قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومي هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله في امرأتك؟ فقلت: لا والله، وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن استأذنته فيها، وأنا رجل شاب. فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة. فلما
أن صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التى ذكر الله منا؛ قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت؛ سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع: يا كعب بن مالك، أبشر. فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء الفرج.