للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ عَوْن الله: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:

لاَ عَانَق الأَبكَار فِي جنَات النَّعيم وَالنَّاسُ غداً فِي الحِسَابِ إِلاَّ مَنْ عَانق الذُّلَّ، وضَاجع الصَّبْر، وَخَرَجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلَ فِيْهَا (١) ، مَا رُزِقَ امرؤٌ مِثْل عَافيَة، وَلاَ تصدَّق بِمثل مَوْعِظَة، وَلاَ سَأَلَ مِثْل مَغْفرَة.

وَعَنْ خَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: قِيْلَ: إِنَّ أَبَا وَهب عَبَّاسِي، وَكَانَ لاَ يَنْتَسِبُ، وَكَانَ صَاحِبَ عُزْلَة، بَاعَ مَاعُونَه قَبْل مَوْته، فَقِيْلَ: مَا هَذَا؟

قَالَ: أُريد سفَراً، فَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ يَسِيْرَة (٢) .

وَعَنِ ابْنِ حَفْصُوْنَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي وَهْب: تعلم أَنِّي كَبِيْرُ الدَّار، فَاسكنْ مَعِي، وَأَخدِمُك وَأُشَارِكُك فِي الحُلْوِ وَالمُرِّ.

قَالَ: لاَ أَفعل، إِنِّيْ طَلَّقْتُ الدُّنْيَا بِالأَمس، أَفَأُرَاجعهَا اليَوْم؟ فَالمطلِّق إِنَّمَا يطلِّق المرأَة بَعْدَ سُوء خُلُقِهَا، وَقِلَّةِ خَيْرهَا، وَلَيْسَ فِي العقلِ الرُّجُوعُ إِلَى مَكروهٍ، وَفِي الحَدِيْثِ: (لاَ يُلْدَغُ مُؤْمِنٌ مِنْ جُحْرٍ مرَّتين (٣)) .

وَقَالَ فَقير: فَقَدْ قُلْتُ لَيْلَةً لأَبِي وَهْبٍ: قُمْ بِنَا لزيَارَةِ فُلاَن.

قَالَ: وَأَيْنَ العِلْمُ؟ وَلِيُّ الأَمْرِ لَهُ طَاعَة، وَقَدْ منعَ مِنَ المشِي ليلاً.

قَالَ يُوْنُس بنُ مُغِيْث: طرأَ أَبُو وَهْب إِلَى قُرْطُبَة، وَكَانَ جليلاً فِي الخَيْر وَالزُّهْد.

يُقَال: إِنَّهُ مِنْ وَلد العَبَّاس، وَكَانَ يقصِدُهُ الزُّهَّاد وَيَأْلفُونه، وَإِذَا جَاءهُ مَنْ يُنكر مِنَ النَّاس تَبَالَهَ وَتَوَلَّه، وَإِذَا قِيْلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا


(١) " النجوم الزاهرة ": ٣ / ٣٣٠، وما بين حاصرتين منه.
(٢) " المغرب في حلي المغرب ": ١ / ٥٨.
(٣) أخرجه البخاري ١٠ / ٤٣٩ في الأدب، ومسلم (٢٩٩٨) في الزهد والرقائق، كلاهما في باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، من حديث أبي هريرة، ومعنى الحديث: أن المؤمن الممدوح هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من ناحية الغفلة مرة بعد أخرى وهو لا يشعر.