للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَضْمِيْنِكَ أَمْلاَكِي، فَضَمِنْتُهَا، فَرَبِحْتُ فِي سَنَتِي رِبحاً عَظِيْماً، وَكَسِبْتُ فِي ثَلاَثِ سِنِيْنَ ثَلاَثِيْنَ أَلفَ دِيْنَارٍ، وَحَمَلْتُ لِدَعْلَجٍ المَالَ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَاللهِ مَا نَوَيْتُ أَخْذَهَا، حَلِّ بِهَا الصِّبْيَانَ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، أَيْش أَصْلُ هَذَا المَالُ حَتَّى تَهَبَ لِي عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ؟

فَقَالَ: نَشَأَتُ، وَحَفِظْتُ القُرْآنَ، وَطَلَبْتُ الحَدِيْثَ، وَكُنْتُ أَتَبَزَّزُ، فَوَافَانِي تَاجِرٌ مِنَ البَحْرِ، فَقَالَ: أَنْتَ دَعْلَج؟

قُلْتُ: نعم.

قَالَ: قَدْ رَغِبْتُ فِي تَسْلِيمِ مَالِي إِلَيْكَ مُضَاربَةً، فَسَلَّمَ إِليَّ بَرْنَامجَاتٍ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.

وَقَالَ لِي: ابْسُطْ يَدَكَ فِيْهِ وَلاَ تَعْلَمْ مَكَاناً يُنْفَقُ فِيْهِ المَتَاعُ إِلاَّ حَمَلْتَهُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ إِلَيَّ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ يَحْمِلُ إِلَيَّ مِثْلَ هَذَا، وَالبِضَاعَةُ تَنْمِي.

ثُمَّ قَالَ: أَنَا كَثِيْرُ الأَسْفَارِ فِي البَحْرِ، فَإِنْ هَلَكْتُ، فَهَذَا المَالُ لَكَ عَلَى أَنْ تَصَدَّقَ مِنْهُ، وَتَبْنِيَ المَسَاجِدَ، فَأَنَا أَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ ثَمَّرَ اللهُ المَالَ فِي يَدِي، فَاكْتُمْ عَلَيَّ مَا عِشْتُ (١) .

قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ السُّلْطَانُ لاَ يَتَعَرَّضُ لِتَرِكَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَصْبِرْ عَنْ أَمْوَالِ دَعْلَجٍ.

وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا أَيْسَرَ مِنْهُ مِنَ التُّجَّارِ، وَترَكُوا أَوْقَافَهُ - رَحِمَهُ اللهُ -.

قَالَ الحَاكِمُ: اشْتَرَى دَعْلَج بِمَكَّةَ دَارَ العَبَّاسِيَّةِ بِثَلاَثِيْنَ أَلفَ دِيْنَارٍ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه: أَدْخَلَنِي دَعْلَجُ بنُ أَحْمَدَ دَارَهُ، وَأَرَانِي بِدْراً مِنَ المَالِ مُعَبَّأَةً، فَقَالَ لِي: خُذْ مِنْهَا مَا شِئْتَ، فَشَكَرْتُهُ، وَقُلْتُ: أَنَا فِي كِفَايَةٍ.

قَالَ أَبُو عَلِيِّ بنُ شَاذَانَ، وَابنُ الفَضْلِ القَطَّانُ، وَابنُ أَبِي


(١) " تاريخ بغداد " ٨ / ٣٩٠ - ٣٩٢ وما بين حاصرتين منه.