للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم لا حظنا تباينا شديدا في قيمة الإنتاج الفكري لهذه الفترة وأصالته، فوجدنا الكثير من المؤلفات الهزيلة التي لم تكن غير تكرار لما هو موجود في بطون الكتب السابقة، ووجدنا القليل من المؤلفات التي امتازت بالأصالة والإبداع والمناهج العلمية المتميزة.

وقد زاد من صعوبة الإبداع أن الواحد من العلماء كان يجد أمامة تراثا ضخما في الموضوع الذي يروم التأليف فيه، وهو في وضعه هذا يختلف عن المؤلفين الأولين الذين لم يجابهوا مثل هذا التراث.

وشهدت دمشق في هذا العصر نزاعا مذهبيا وعقائديا حادا، كان الحكام المماليك يتدخلون فيه في كثير من الأحيان، فيناصرون فئة على أخرى (١) .

وكان الأيوبيون قبل ذلك قد عنوا عناية كبيرة بنشر مذهب الإمام الشافعي، فأسسوا المدارس الخاصة به، وأوقفوا عليها الوقوف (٢) .

وعنوا في الوقت نفسه بنشر عقيدة الأشعري، واعتبروها السنة التي يجب اتباعها (٣) .

لذلك أصبحت للأشاعرة قوة عظيمة في مصر والشام.

وقد أثر ذلك على المذاهب الأخرى، فأصابها الوهن والضعف عدا الحنابلة الذين ظلوا على جانب كبير من القوة، وكانت لهم في دمشق مجموعة من دور الحديث والمدارس (٤) .

وكان النزاع العقائدي بين الحنابلة والأشاعرة مضطرما، زاده اعتماد الحنابلة على النصوص في دراسة العقائد، واعتماد الأشاعرة على الاستدلال


(١) ابن كثير: البداية، ١٤ / ٢٨، ٣٨، ٤٩، وابن حجر: " الدرر " ١ / ٦١ وغيرهما.
(٢) انظر التفاصيل في كتابنا: المنذري وكتابه " التكملة "، ص ٣٨ فما بعد.
(٣) وكان صلاح الدين أشعريا متعصبا كما هو معروف من سيرته.
(٤) انظر النعيمي:: " تنبيه الدارس " ٢ / ١٢٦ ٢٩.